يشکل الحديث عن دور الدولة ومفهوم الرعاية الاجتماعية لمواطنيها محور الجدل القائم في ظل الانعکاسات العالمية المختلفة. وتکاد تتحدد إشکالية هذا الجدل في کيفية الحفاظ على دور الدولة الأساسي في حماية المجتمع مع تغير مفاهيم الرعاية وتراجع دور الدولة وتخليها عن أداء بعض التزاماتها تجاه مواطنيها، خاصة بعد أن تعرضت دولة الرعاية في البلدان المتقدمة إلى توترات وانهيارات.
شکَلت فکرة نموذج دولة الرفاهية الاجتماعية انعکاسًا لعدد من المتغيرات العالمية سواء الاقتصادية أو السياسية، والتي کان لها انعکاساتها على تطبيق نموذج دولة الرفاهية الاجتماعية منها، الليبرالية الکلاسيکية، تزامنا مع ظهور المذاهب الاشتراکية، الحرب العالمية الأولى، وأزمة الکساد الکبير خلال الثلاثينيات من القرن العشرين، والحرب العالمية الثانية، الطفرة الاقتصادية التي تبعت الحرب، ثم الرکود الاقتصادي وإعادة الهيکلة خلال السبعينيات والثمانينيات، الأمر الذي مثَل تحديًا للدول خاصة فيما يتعلق بدورها في تحقيق الرفاهية الاجتماعية لمواطنيها.
يستهدف هذا البحث محاولة للوقوف على عدة محاور: أولها التعريف بنموذج دولة الرفاهية الاجتماعية، ودمج عدد من المؤشرات للوصول إلى تعريف إجرائي بصدده، وثانيها يرکز على الانعکاسات العالمية على تطبيق نموذج دولة الرفاهية الاجتماعية في فترات زمنية مختلفة، بداية من القرن التاسع عشر وحتى العولمة وما بعدها، التحديات التي اعترضت تطبيق نموذج دولة الرفاهية الاجتماعية. وبذلک يستهدف تحري أوجه الاستمرارية والتغيير المرتبطة بفعالية نموذج دولة الرفاهية الاجتماعية، وکذلک أهم البدائل المطروحة والمهيأة لزيادة فعالية النموذج مستقبلا؛ حيث أصبحت "العدالة الاجتماعية" مطلبًا وتحديًا في آن واحد.