کان وباء الکوليرا في موجته الخامسة عام 1883 مختلفًا بشکل کبير عن موجاته السابقة، فلقد عانى سکان بريطانيا وفرنسا والأراضي الألمانية جميعًا من الکوليرا في المرات السابقة، لکن في تلک المرة کانت هذه القوى الثلاث لا تزال خالية من الکوليرا وبات بإمکانه تحمل تکاليف إرسال لجان بحثية لدراسة المرض. حلت البعثات الثلاث على مصر التي تحولت إلى مخبر عالمي وتباينت أهدافهم بين السعي إلى التوصل لحقيقة المرض وتحقيق سبق علمي يعزز القومية الوليدة کما هو حال البعثة الألمانية أو يعيد الثقة للقومية الجريحة کما هو حال البعثة الفرنسية، وبين مسعى إنجليزي غايته إعطاء صبغة علمية لموقف اقتصادي مُتخذ سلفًا لا يرى في بعض ممارسات الطب في الحد من الوباء سوى معوق لتجارتهم. غم من التناقض الظاهر في نوايا البعثات الأوربية إلا أنها جميعًا کانت مؤمنة بالخطاب الوظيفي للطب في عصر الإمبريالية الجديدة، وهو اعتبار المعرفة الطبية أحد الدعاوى التي تبرر شرعية الاستعمار. لقد صاغ الطب الحديث روابط جديدة قوية بين العواصم الإمبريالية وممتلکاتها البعيدة، وشهد انعطاف القرن التاسع عشر بزوغ حرکة اخصائيين طبيين متنقلين، موازنة الملامح التعسفية للحکم الاستعماري، ولإرساء سيطرة إمبريالية أوسع مما يمکن استقاؤه من الغزو وحده.