الإبداع ليس مجرد إنتاج فريد للعقل البشري، ولکنه محصلة للتفاعل الديناميکي بين کل من الفرد المبدع بما يؤثر عليه من متغيرات نفسية والمجال الذي يعمل فيه هذا الفرد، بالإضافة إلى مجموعة الأحکام التي تقيس جودة الأعمال التي يتم تنفيذها. لذا فمن المهم عند دراسة الإبداع داخل بيئة العمل المهني وبصفة خاصة البيئة الصحفية أن ندرک طبيعة العلاقة التي تربط بين المتغيرات النفسية والثقافة التنظيمية داخل بيئة العمل والإبداع الفردي والابتکار التنظيمي، ذلک أن السياسات التنظيمية قد تجعل من المبتکرين أقل احتمالاً في أن يعبروا عن إمکاناتهم الإبداعية حينما يفقدوا الدعم لتنفيذ بعض أفکارهم الإبداعية من قبل إدارة المؤسسات الصحفية لهم.
وإذا کانت السياسات التنظيمية لها تأثير على الأداء الإبداعي فإن النواحي النفسية لدى القائمين بالاتصال لا تقل أهمية عن السياسات التنظيمية داخل بيئة العمل، فقد تؤثر النواحي النفسية بالإيجاب أو السلب على أداءهم الإبداعي، ووفق لذلک فإن بعض الأبعاد النفسية الإيجابية المتمثلة في (الکفاءة الذاتية، الأمل، المرونة، والتفاؤل) وهي الأبعاد المکونة لرأس المال النفسي، قد يکون لها تأثير على الأداء الإبداعي الابتکاري المتمثل في القيام بالعديد من الأنشطة الهادفة الموجهة نحو توليد أفکار جديدة تتلاءم مع طبيعة البيئة الإعلامية الجديدة، والتحقق من ملاءمة وواقعية هذه الأفکار، وحشد الدعم والتأييد لها ومن ثم تطبيقها على أرض الواقع.
وهذا يتطلب أن يتوافر لدى القائمين بالاتصال ثقة في قدراتهم الذاتية (الکفاءة الذاتية) لاتخاذ الجهد اللازم لتحقيق النجاح في إنتاج بعض المواد الإعلامية بحيث تتسم بشکل ابتکاري إبداعي، وکذلک يتوافر لديهم بعض الصفات الإيجابية (التفاؤل) حول مستقبل العمل الصحفي واستشرافهم بأن الصحافة الرقمية ستنجح في مواجهة الضغوط التي تتعرض لها، وعند الضرورة إعادة توجيه المسارات إلى الأهداف (الأمل) من أجل النجاح في إنتاج مواد إعلامية إبداعية ابتکارية.
وتأسيساً على ما سبق يمکن القول إن الإبداع في بيئة المؤسسات الصحفية الإلکترونية هو حصيلة توافر السمات النفسية الإيجابية المشجعة على الإبداع، والبيئة الخارجية التي لا تعيق الإبداع ولا تقف له بالمرصاد.
 وهذا ما ستحاول الدراسة الحالية استکشافه من خلال دراسة العلاقة بين کل من رأس المال النفسي بأبعاده الأربعة المتمثلة في الکفاءة الذاتية، والأمل، والمرونة، والتفاؤل، وکذلک الأبعاد المهنية المتمثلة في التدريب والخبرة الوظيفية، وعلاقات وضغوط العمل والرضا الوظيفي، والأداء الإبداعي بمراحله الثلاث المتمثلة في مرحلة توليد الفکرة الإبداعية الابتکارية، ومرحلة الاحتضان وتکوين الاتجاه نحو الفکرة الإبداعية الابتکارية، ثم مرحلة الإلهام أو الإشراق التي تقابل القرار، وأخيرا مرحلة اتخاذ القرار (التبني/ الرفض) للفکرة الإبداعية.