کان المصري القديم شديد الملاحظة والتأمل لکل ما يحيط به في البيئة من مخلوقات، وقد لفت انتباهه سلوک بعض الکائنات التي رافقته، فربط بين هذا السلوک وبين صفات بعينها فأخذ من بعض هذ الکائنات رموز مقدسة، وهذا ما أدى به إلى تقديس أنواع من الحيوانات لا لذاتها بل لصفة من الصفات التي تميزت بها کالقوة والشجاعة والخصوبة، أو الصبر والمکر والدهاء وما إلى غير ذلک من صفات مالت لها نفسه، وکان الوضع کذلک بالنسبة لبعض الحشرات واللافقاريات التي جذبت انتباهه إما بفرط نفعيتها أو بفرط أذاها، وهو في هذا أو ذاک کان يتلمس نفعها أو کان يرغب في تجنب شرها وأذاها.
ولقد رافقت العناکب مسيرة حياة المصري القديم کغيرها من المخلوقات الأخرى، إلا أن المصري القديم لم يولي لها اهتمام ملحوظ إلا في القليل النادر، ورغم ذلک التهميش الواضح للعناکب إلا أنها استطاعت أن تتخذ مکانة هامة بمهارتها في نسج الخيوط، تلک المهارة التي جعلت المصري القديم يربطها بربات النسيج لا سيما الربة "نيت"، ثم ربطها الإغريق بعد ذلک بالربة "أثينا" ربة النسيج لديهم.
وقد تم الکشف في الآونة الأخيرة عن نقوش صخرية في أحد مواقع الواحة الخارجة بالصحراء الغربية،
وکان لهذا الکشف أهميته في القاء الضوء على العنکبوت لمعرفة ما إذا کان له أي دور أو دلاله رمزية في الحضارة المصرية القديمة، ولمعرفة أسباب تواجده ضمن النقوش الصخرية المکتشفة بالواحة الخارجة دون سواها، وهل ارتبط هذا التواجد بدلالة معينة أم لا؟ ثم معرفة الصلة التي ربطت بين مهارته في غزل الخيوط وصناعة النسيج وبين ربات النسيج لدى المصرين القدماء والإغريق على السواء، وهذا هو ما تهدف إليه الدراسة الحالية.