على الرغم من شيوع مصطلح البرجماتية Pragmatism کمذهب أو نزعة فلسفية فى القرن التاسع عشر الميلادي وحتى وقتنا الراهن منذ بداية ظهوره على يد تشارلز ساندرز بيرس (Charles Sanders Peirce (1839-1914 الذى لخص مفهوم البرجماتية فى أنها "الممارسة العملية للفکر". والجدير بالذکر فى هذا السياق أن مصطلح البرجماتية کان أصيلاً فى الفلسفة اليونانية بدلالته المستخدمة عبر العصور، وأن المصطلح الحديثPragmatism مأخوذ بالقطع من الکلمة اليونانية πραγμα بمعنى العمل أو الفعل أو الممارسة العملية للشئ. πραγματικός. ويزعم الباحث أن بداية الفلسفة البرجماتية قد ارتبطت ببداية ظهور النزعة السوفسطائية کثورة على الفکر الدوجماطيقي لدى الطبيعيين الأول والمتأخرين ولا سيما ميتافيزيقا الفيثاغوريين والإيليين. أما شيشرون فقد أکد: "أن الحقيقة موجودة، لکنها محجوبة أمامنا، ولا نستطيع أن نملک الحق کاملاً، لأن العقل لا يقدر على بلوغها، ولا يستطيع أن يتغلغل فى أعماقها، وبالتالى يجب أن نقتصر على محاولة الاقتراب من الحقيقة قدر الامکان من خلال الاحتمال". أما فى هذا البحث فقد عرضت للمصطلح عند شيشرون وهو من أکثر المتفلسفين الجامعين بين الفکر اليوناني والفکر الروماني. ومن أوائل الفلاسفة الذين ربطوا مصطلح البرجماتية بالأخلاق والسياسة. فنجده أقرب إلى المثاليين فى حديثه عن الأخلاق العملية التى ترمى إلى الصالح العام ورفض مبدأ المصلحة الخاصة والأنانية. ونجده فى السياسة أقرب إلى فلاسفة اليونان فى احترامهم للقوانين ورفض السير على ما يُخالفها؛ ويبدو ذلک التأثر فى قراءته الواعية لمحاورتي الجمهورية والقوانين لأفلاطون؛ غير أنه مارس السياسة ومن ثم تلون بألوانها وتعددت مواقفه تبعًا للموازنة الشخصية بين الصالح العام ومصلحته الخاصة.