مُلخص:
نسعى من خلال هذه الدراسة إلي إلقاء الضوء على ظاهرة الحرب في المغرب الأوسط خلال العهد الزياني، من خلال رصد الحصارات الطويلة الأمد التي فرضتها السلطة المرينية على عاصمة بني زيان تلمسان بقصد إخضاعها لنفوذها وسيطرتها خلال الفترة من (689-737ه/1290-1337م)، لنکشف النقاب عما خلَّفه ذلک الصراعُ الکبيرُ الذي طبع العلاقة المرينية الزيانية، والذي عانى منه أهلُ تلمسان أشد العناء، من خلال الوقوف على حقيقة هذه الحصارات وأسبابها، ومجريات أحداثها، وحيل الاقتحام التي تمَّ اتباعها، والوقوف على حجم هذه الحصارات، وما خلَّفته من مناظر الاضطراب والقتل والتشريد والتهديم، وما أفرزته من مشاکل وأزمات متعددة على المجتمع.
وقد استهللتُ هذه الدراسة بذکر معاني ودلالات الحرب والحصار في اللغة والاصطلاح، ثم عرضت للأسباب المؤدية إلي الحرب والصراع بين المرينيين والزيانيين، ثم تطرَّقتُ إلي الحصارات التي تعرضتْ لها تلمسانُ من جانب المرينيين بهدف إخضاعها، ثم دلفتُ بعد ذلک إلي ذکر الانعکاسات التي خلَّفتها الحصارات المرينية على البناء الديموغرافي لتلمسان، وما ترکتْه وراءها من أضرارٍ بالغة وخطيرة على الاقتصاد، عانى منها التلمسانيون لسنوات طويلة، إذ إن الانهيار السکاني الذي عرفته تلمسان خلال تلک الفترة، کان کفيلا بتعطيل کافة أوجهِ مجالاتِ الاقتصاد.
ثم انتقلتُ بعد ذلک للحديث عما ترکتْه هذه الحصارات من انعکاسات سلبية على البناء الاجتماعي، من خلال تتبع الآثار التي خلَّفتها الحصارات على الأسرة المغربية بصفة عامة والتلمسانية بصفة خاصة، من خلال دراسة آثار تواتر أخبار الحروب ومردودها على الأسرة، وکذلک أثر معارک الحصارات على المرأة والطفل، فضلا عن أثرها في ظهور شريحة أسرى الحرب، ثم عرضتُ لامتداد التأثير السلبى للحصارات على العمران والمنشآت، وکذا انعکاساتها على العلماء والفقهاء