تلاشت فى المدن العربية الجديدة، وفى الامتدادات الحديثة من المدن القديمة، الحارة التقليدية التى کانت وعاء لعلاقات اجتماعية حميمة بين سکانھا، والتى کانت تتيح للأطفال مکانا أمنا للعب والحرکة على مرأى من سکان الحارة. وبتلاشى الحارة التقليدية فقدت العديد من مظاھر التآلف الاجتماعى والنواحى الإنسانية فى المدن العربية. وبصفة عامة، يمکننا القول أن الغالبية العظمى من الأحياء السکنية الحديثة فى المدن العربية ليست صديقة للأطفال، نظرا لسيادة السيارات فيھا، ونظرا لأن مصمميھا لم يضعوا احتياجات الأطفال للعب والتواصل الاجتماعى الأمن فى الاعتبار عند تخطيط تلک الأحياء، وبالتالى فإن الأطفال، الذين يشکلون غالبية السکان فى المجتمعات العربية، ھم أکثر المتضررين من غياب السمة الإنسانية فى المدينة المعاصرة، حيث اقتصر مجال حرکتھم فى نطاق ضيق لا يتعدى المدرسة والبيت فى أغلب الأحيان، وربما الحديقة العامة ومنازل الأقارب والأصدقاء فى عطلة نھاية الأسبوع. وبذلک يحرم الأطفال من حقھم الفطرى فى اللعب الحر، واستکشاف الأشياء من حولھم، وبناء الصداقات والعلاقات الإنسانية.
يھدف ھذا البحث إلى استعراض احتياجات الأطفال فى المدن، من منطلق حقوق الأطفال التى نصت عليھا الشرائع والمواثيق الدولية، ومن منطلق احتياجاتھم النفسية والروحية والطبيعية. کذلک يناقش البحث خصائص البيئة العمرانية الملائمة للأطفال، ويستعرض بعض الدراسات والأطر الفکرية المھمة التى تتناول ذلک. کما يستعرض البحث أيضا نماذج مختارة من بعض المدن الأوربية التى سعت بجدية لتحقيق الأبعاد الإنسانية فى أرجائھا. وفى مقابل ذلک يقدم البحث استعراضا سريعا لواقع المدن العربية، والمظاھر التى تشير إلى غياب السمة الإنسانية فيھا، ويقدم بعض الموجھات والمقترحات من أجل إعادة تلک الصبغة الإنسانية، وجعل المدن العربية أکثر ملاءمة لمعيشة الأطفال واليافعين، إذ أن المدينة الصديقة للأطفال ھى مدينة صديقة للجميع، وتحقق العديد من المکاسب الاجتماعية والبيئية والاقتصادية للمجتمع المحلى ککل.