لقد اظهرت الأدبيات الأقتصادية أن هناک توافق متزايد في الآراء بأن التنمية عملية متعددة الأبعاد والتي تنتطوي على تفاعلات متداخلة بين أهدافها المختلفة ، و يتتطلب هذا الأمر تصميما منهجيا للسياسات و الأستراتيجيات لتحقيق هذه الأهداف (Todaro :1998, P.11). أن قضايا التنمية معقدة ومتعددة الأوجه، فلا يوجد مسار واحد للتنمية الاقتصادية التي يمکن لجميع البلدان أن تسلکه على المدى الطويل، وتتطلب عملية التنمية الاقتصادية تغييرات في السياسات و الأستراتيجيات لتتواکب مع الأحداث و الأتجاهات الجديده و المتطورة .ان تصميم السياسات يحتاج ايضا الى أن يأخذ في الاعتبار العوامل، و الأعتبارات الاجتماعية , والثقافية, والسياسية, و المؤسسية، و التى تتغير بإستمرار على مر الزمن في بلد ما ( Dang, and Pheng: 2015,P.22).
و لقد تشابهت المشاکل الأقتصادية و الأجتماعية فى بعض الدول العربية مما أدى الى اندلاع الثورات العربية منذ يناير 2011 مثل ما حدث فى تونس، و سوريا ، و ليبيا، واليمن. و لقد أسفرت هذه الثورات الى مزيدا من المخاطر ، و عدم الأستقرار السياسى، و نشوب الحروب الأهلية ،وتزايد الهجمات الأرهابية على الحدود والتى أصبحت تشکل خطرا حقيقيا يهدد التنمية ليس فقط فى مصر بل فى المنطقة بأکملها و يهدد هويتها العربية. و بجانب ذلک فأءن الأزمات العالمية مثل أزمة الطاقة، و الأزمة الأقتصادية العالمية التى حدثت فى امريکا فى 2008، و أزمة أرتفاع أسعار الغذاء العالمية التى ظهرت بشدة فى 2006 و تفاقمت فى 2008، و ما بعدها ، و أزمة المياه العالمية، و ازمة اسواق المال حديثا تشکل تهديدا و تحديا قويا للتنمية ليس فقط للأقتصاد المصرى بل لجميع أقتصاديات الدول النامية.
و لذا فإن هذا المقال سوف يعرض فى الجزء التالى: نظره تطورية للجانب التنظيرى لأقتصاد التنمية, ثم تتنقل الورقة من النظريات الى الأستراتجيات و السياسات التنموية فتعرض ثالثا: رؤية تطورية لأهداف التنمية من النمو الأقتصادى الى النمو الشامل و التى أدت الى تطويرا هائلا للأستراتيجيات و السياسات المتبعة فى بعض الدول المتقدمة و الدول النامية. و يعرض الجزء الرابع ، الأتجاهات الحديثة و المستقبلية لسياسات و استراتيجيات التنمية المتبعة فى بعض الدول النامية. اما الجزء الخامس، فيعرض رؤية تطورية للأستراتيجيات و السياسات التنموية لمصر للخروج من الأزمة الراهنة و التحدى الذى يواجه فى ضوء الأزمات الأقتصادية، والسياسية المحلية، والأقليمية ، و العالمية الراهنة .