نجح الرحالة العرب خلال العصر العثماني في قراءة الواقع الحضاري والاجتماعي، وتصوير الطبيعة الجغرافية والبشرية في بلاد الحجاز بشکل واقعي إلى درجة کبيرة، بخلاف الرحالة الأوربيين الذين رسمت مدوناتهم صورة مشوهة لکل مظاهر الحياة في البلاد التي مروا بها، فالعرب المسلمون تتبعوا ملامح النهضة العلمية والعمرانية والحياة الاجتماعية، وترکوا ثروة معرفية عن الظواهر الطبيعية وأخبارها بأسلوب أدبي مشوق مما شاهدته عيونهم وتفاعلت معه نفوسهم بوعي ينم عن إدراک للأشياء ومراقبة للتطور.
وقد تناولت کتاباتهم وصفاً لکل مظاهر سطح الأرض، لکن عنايتهم بالجبال والحرَّات في المدينة المنورة خاصة کانت أوضح، فقدموا دراسة تفصيلية عن موقعها، وطبيعتها الجيولوجية، وأهميتها لما حولها، وما اشتملت عليه من آثار ومعالم، کما تکلموا عن مضامينها وخلفياتها التاريخية، متحققين مما يکتبون ناقدين ما ينقلون من أخبار يعود أغلبها إلى زمن النبوة، فما الدافع لهم في ذلک، وما منهجهم في وصفها، وماذا قدموا من معلومات عنها، وعمَّا تشتمل عليه من معالم أثرية، هذه التساؤلات وغيرها يجيب عنها هذا البحث.