کان الفقيه المازري علامة بارزة على طريق الاجتهاد الفقهي والإصلاح التشريعي، والتجديد في حقل الفتاوي المالکية المرتبطة بحياة الناس في بلاد إفريقية لقرونٍ عديدة في مختلف المجالات. وفيما تُعَدُّ الفتاوى بمثابة مرآة عاکسة لحرکة الحياة بمختلف وجوهها في کل عصر، فإنَّ هذه الفتاوى تُشَکِّلُ أهمية خاصة للباحثين في التاريخ؛ ومن ثَمَّ، فإنَّ هذه الدراسة التاريخية تهدف إلى بيان مدى تأثير فتاوى الفقيه المازَرِيِّ في ضبط حرکة المعاملات وترشيد سلوک المتعاملين في الأسواق والبيئات التجارية ببلاد إفريقية خلال المدى الزمني للدراسة. کما تکشف الدراسة عن مدى قيمة تلک الفتاوى في توفير الأُطُرِ التشريعية والقانونية التي تُعنَى بمراعاة الضوابط الأخلاقية المتعلقة بضمانات حقوق الإنسان في عقود المعاملات التجارية، وکذلک تُسهم في تعزيز الضمانات من خلال توفير مرجعية قضائية ناجزة للمنازعات المتعلقة بتلک العقود. وفيما اتبعت الدراسة المنهجية التاريخية بشقيها الوصفي والتحليلي، بطريقة لا تخلو من النقد، فقد استندت إلى مجموعة من المصادر الفقهية والتاريخية والمراجع التي أسهمت خدمة الفکرة المرکزية للدراسة. وقد انتهت الدراسة إلى استنتاجات تبين أهمية دور اجتهادات علماء المالکية، ولاسيما الفقيه أبو عبد الله المازَرِيِّ، في إعادة الاعتبار لقيمة العقود التجارية، وعَمَّقَتْ مضمون صيغته الشرعية والعرفية التي توفر الضمانات والحقوق للأطراف المتعاقدة في بيئة المعاملات التجارية ببلاد إفريقية خلال عصر ذلک الفقيه (453: 536هـ/1061: 1141م).