اتجهت أغلب الدراسات لمقاربة موضوع الجرائم والعقوبات في أفريقيا من منظور أنثروبولوجي بحت سواء في العهد الاستعماري أم في مرحلة ما بعد الاستعمار، ولم يأخذ هذا الموضوع البالغ الأهمية حقه في الدراسات التاريخية. في ضوء ذلک تسعى هذه الدراسة للکشف عن ماهية السياسة القضائية والعقابية الاستعمارية البريطانية في محمية نياسالاند، وکيفية تعامل الإدارة الاستعمارية مع الجريمة الأفريقية، ودور العقوبة في تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية للمستعمر، وتعزيز الحکم الإمبراطوري لبريطانيا، إذ لجأ المستعمر إلى تجريم الأفارقة وفرض عليهم أشکالًا متنوعة من العقوبات حينما عرقل الأفارقة -سواء عن قصدٍ أو مضطرين؛ لقلة ذات يدهم- مشروعات النهب الاستعماري البريطاني.
خضعت نياسالاند للاستعمار البريطاني ثلاثة وسبعين عامًا، وخلال تلک الفترة عمل البريطانيون على محاولة تکوين نواة مجتمع متعدد الأعراق يضم أقلية من البيض إلى جانب الغالبية العظمى من الوطنيين الأفارقة، وتباينت طبقات هذا المجتمع وأهدافه ولغاته، وفي ظل هذا التباين نشأت بعض المشکلات الداخلية. وفي ضوء ذلک تأتي هذه الدراسة عن الجرائم والعقوبات في نياسالاند لمعرفة أنواع تلک الجرائم ومسبباتها ونتائجها، فضلاً عن القوانين والتشريعات التي سنتها الإدارة الاستعمارية للتعامل معها.