قد امتد الاهتمام بالرصد الإعلامي إلى المنظمات الدولية منذ العقد الأول من الألفيّة الثالثة حيث دشنّت منظمة اليونسکو برنامجها الدولي حول تطوير وسائل الإعلام عام 2008م، وتضمن البرنامج آليات مستحدثة للرصد الإعلامي المقنن للمضامين الإعلامية المرتبطة بحرية الإعلام في الدول المختلفة، وبخاصةٍ الدول النامية والديمقراطيات الناشئة أو الوليدة. وقد ساهم البرنامج المذکور في تطوير آلياتٍ عديدةٍ کمية وکيفية للرصد المنتظم والموضوعي للمضامين الإعلامية وبخاصةٍ السياسية والثقافية والاقتصادية منها.⁽⁴⁾
     وفي السنوات الأخيرة أضحى الرصد الإعلامي من الأنشطة المعيارية السائدة في الدول المتقدمة وبعض الدول النامية؛ وقد أضحى الرصد الإعلامي بمثابة الرافد الرئيس للمعلومات عن أداء وسائل الإعلام ومدى التزام تلک الوسائل بالمسئولية الاجتماعية؛ وقد کان لذلک أبلغ الأثر في تطوير آليات حماية جمهور القراء والمستمعين والمشاهدين من التأثيرات السلبية لوسائل الإعلام حيث دفعت تقارير الرصد الإعلامي المنظمات غير الحکومية والکيانات الأکاديمية لتبني برامج تحصين الجماهير وحمايتها من التأثيرات غير المرغوبة للإعلام من خلال تطبيق برامج محددات الوعي الإعلامي Media Literacy؛والتربية الإعلامية Media Education.
     وتبدو الأهمية البالغة لتطبيق الآليات المعيارية للرصد الإعلامي في السياق الثقافي المصري وبخاصةٍ بعد ثورة 25 يناير 2011م؛ والتي شهدت خروجاً ملحوظاً للعديد من وسائل الإعلام الحکومية والخاصة عن الممارسات المهنيّة، والجنوح صوب تأجيج الانقسامات السياسية في المجتمع، والخروج على العادات والتقاليد المرعية، وإعلاء المصالح الشخصية الضيقة؛فضلاً عن الضبابية وعدم الاکتراث بشأن الالتزام بميثاق شرف مهني يضبط أداء تلک الوسائل خلال تلک المرحلة الحرجة التي يمر بها المجتمع المصري.
ويسعى الباحث في الدراسة الحالية إلى إجراء تقويم للرصد الإعلامي من حيث المفهوم، والأهداف، والمجالات، والمناهج والأدوات، والتجارب الدولية والإقليمية،وآفاق التطوير.