دعت الحاجة إلى إبرام شتى الاتفاقات بين أفراد المجتمع الدولي وذلک في سبيل إشباع حاجاتهم المتبادلة، ويتبين لنا أن تبادل الاستثمارات الأجنبية المباشرة بين الدول هو أهم صور التعاون الاقتصادي الذي يساهم في تبادل الخبرات والتکنولوجيا، وتحقيق أهداف العولمة بما يؤدي إلى التقدم الاقتصادي للدول بوجه عام، ويسهم في تحقيق الأهداف التنموية للدول النامية بوجه خاص.

ولما کان سبيل تحقيق ذلک يتطلب تنظيم تلک العلاقات فيما بين الدول في إطار خاص، درجت الدول على ابرام اتفاقيات تشجيع وحماية الاستثمارات المتبادلة وذلک بهدف توفير مناخ آمن للاستثمارات، سواء کانت تلک المعاهدات ثنائية “Bilateral Investment Treaties" أو متعددة الأطراف "Multilateral Investment Treaties".

وبالنظر للأهمية القصوى لتلک الاستثمارات، تتضمن معاهدات الاستثمار مجموعة من الضمانات التي تکفل لتلک الاستثمارات عدم التعرض لها بأي صورة غير مشروعة، ومن صور التعرض: التمييز بين المستثمر الأجنبي والمستثمر الوطني دون مسوغ، وذات الأمر في العلاقة بين المستثمرين الأجانب من الدول المختلفة. وتعد مصادرة الاستثمار الأجنبي من أخطر صور التعرض غير المشروع للاستثمارات الأجنبية المباشرة. ولذا، تعين على الدول احترام تلک الاستثمارات وتوفير المناخ الملائم لها.

ويتبين لنا أن الدول المضيفة لتلک الاستثمارات عادة ما تلجأ للمصادرة بطرق غير مباشرة أو "مقنعة" بهدف حرمان المستثمر من ثمار استثماراته دون الاستيلاء المباشر على أملاکه، وهو مما لا يستقيم واعتبارات الثقة التي تقوم عليها المعاملات الدولية. وبالمقابل، قد تتخذ الدولة تلک الإجراءات بهدف حماية الأمن والصحة العامة وسلامة البيئة، إذ أن مشروعية المصادرة يحکمها الموازنة بين اعتبارات سيادة الدول فوق اقليمها، واعتبارات حماية الحقوق المکتسبة للمستثمرين الأجانب.

ومن هنا ظهرت أهمية تحديد معايير التعرف على المصادرة غير المباشرة التي تجرد الاستثمارات من کل فائدة دون أن تقوم الدولة المضيفة بنزع ملکيتها بشکل مباشر.

ولذلک، نهدف في بحثنا إلى بيان المعايير الخاصة بالکشف عن المصادرة غير المباشرة للاستثمار الأجنبي المباشر وبيان أکثرها رجحانًا بهدف حماية المستثمرين الأجانب من الانتهاکات غير المبررة لأحکام القانون الدولي الصادرة من الدول المضيفة لاستثماراتهم.