يروم هذا البحث تقصّى المنهج السّيبويهى فى بحث موضوع النِّداء، وتحليل المبادئ التى أتّخذها سيبويه فى النظر النحوى، وهو منهج منبثق عن واقع معرفى أعمّ تأسَّست على وفقه قواعد خاصَّة أسهَمت فى إبراز مناحى الفکر السّيبويهى القائم على نظر استنباطى يعتمد المعاينة واستقراء الأشکال والاستدلال على علاقاتها الترکيبيّة والدلاليّة لصياغة قوانينها واستنتاج أغراضها فى التداول اللسانى.
          ويقتضى النّظر فى المنهج البدء بالتبويب وتحليل الرؤية العاملية وتقسيم الأنماط الترکيبيّة وعوارضها الإعرابيّة واقتضاءاتها الدلاليّة، ثم التعليل الذى رافق الأحکام واستقصاء المصطلحات الموظَّفة فى النِّداء وما يؤاسره من موضوعات اندرجت تحت بابه کالاستغاثة والنّدبة والتعجب، وما آل إليه هذا المنهج عند من خلف سيبويه على التراث النحوى؛ ليتسنى لنا معرفة المبادئ والأسس التى وجهت المعرفة النحوية إذّاک، ثم إعطاء تصوّر واضح عن وعى المنهجيّة التى سايرت طبيعة اللغة وسبرت قوانينها واستقرأت ظروف إنتاجها ومقامات تلقيها.
          ويهدف البحث ثانيًا إلى قراءة وظائف النّداء وأنماطه فى التّواصل وطبيعته التداوليّة فى ضوء المدونة السّيبويهيّة، ومعطيات المنحى التداولى الحديث عامة، وقراءة نقاط الوعى النظرى الذى أقامه النّحاة العرب فى تحليل الخطاب بوصفه بنية تواصليّة تامَّة، وتتبع ما وظَّفه سيبويه من تحليل لأبنية النّداء وما يتولَّد منه فى الاسترسال الدلالى وما تؤدّيه الأنماط الإنشائيّة الطلبيّة والإفصاحيّة فى الخطاب وأثر هذه الأنماط فى الافتراض اللسانى والواقع التداولى.
          لربط النّظام ومقاصده الکامنة فى القدرة بأغراضه المتحقِّقة فى الاستعمال فنقف على إسهام المنهج السيبويهى فى تقديم کفاية تفسيرية ونظرية وتداولية للنظام اللسانى العربى.