نشأ علم الأصوات العربي نتيجة طبيعية لاھتمام العلماء بالقرآن الکريم، ومحاولتھم ضبط
طرق نطقھ، وبيان الأسس والأساليب التي تأسست عليھا لغة القرآن. لقدکان نزول القرآن الدافع
الأساس لظھور العلوم العربية عامة وعلم الأصوات بصفة خاصة، ولقد أدت عناية القراء بضبط قراءة
النص القرآني وتلاوتھ تلاوة صحيحة إلى نشأة الدرس الصوتي العربي.
ولا شکَّ أن علم التجويد يعتبر مصدرا أصيلا من مصادر الدراسة الصوتية العربية، وھذه نتيجة مبنية
على أساس الإنجازات القيمِّة التي حققَّھا علماء التجويد في مجال الدراسة الصوتية، لا على أساس
وفرة المصنفات في ھذا العلم. بل لعلي لا أتجاوز الحدَّ إن زعمت أن ما وصل إليھ علماء الأصوات حالياً
إنما ھو تتَمَِّة لما وصل إليھ علماء العرب قديما ومن قبلھم علماء الھنود. لقد کانت جھود علماء
العربية في دراسة الأصوات اللغُّوية من الإنجازات المتميزة في الدرس اللغوي، وقامت حولھا دراسات
ليست قليلة، ولکن أحدًا من المشتغلين بدراسة الأصوات العربية المحْدثين لم يلتفتْ إلى کتب التجويد
التي تتضمن دراسة للأصوات اللغوية لا تقل أھميتھا عن جھود علماء العربية.
وتتناول ھذه الدراسة مجموعة من القضايا الصوتية الخلافية بين علماء اللغة المتقدمين واللغويين
المعاصرين، فھي دراسة تجمع بين النظرية والتطبيق، وذلک من خلال الاتکاء على نتائج التحليل التقني
لأصوات اللغة، إلا أن تلک الدراسة لم تکن منبتة الصلة عن جھود علماء العربية الذين قدموا وصفاً
تفصيلا لأصوات اللغة العربية بغية الحفاظ على النطق العربي من اللحن أو التبديل وحفاظاً على نطق
القرآن الکريم بصورة سليمة معيارية.