مقدمة:
أهتمت الأمم بتربية وتعليم أبنائها ونقل الموروث العلمي بين الأجيال المتعاقبة منذ القدم وخاصة الموهوبين منهم، فالموهوبون هم مستقبل أي حضارة وهم قادتها، والقدرات البشرية لا تقل أهمية عن الإمکانات المادية في صناعة الحضارة، فالاهتمام بالموهبة والموهوبين ليس ترفاً إنما هو حاجة ملحة وضرورة لأي أمة تريد التقدم والتطور، فقد أثبت التاريخ أن هؤلاء الموهوبين سبباً لرخاء شعوبهم تقدماً وتطوراً وثقافةً وبناءً وذلک بما يقدموه من إبداعات تفيد مجتمعاتهم، فکانت دراسة علوم الموهبة والاهتمام بالأبحاث في مجالها وبناء المشاريع النوعية لتعرف الموهوبين ورعايتهم أمراً ملحاً للتعامل الفعال مع الموهوبين والمبني على الأسس العلمية، وذلک للإفادة القصوى من قدراتهم، وتوجيهها في مجالاتها بما يعود بالنفع عليهم وعلى أوطانهم.
إن برامج رعاية الموهوبين والاهتمام بهم تبدأ من حيث وجود أدوات وأساليب مقننة للکشف عن هذه الفئة، ومع أهمية عملية تعرف الموهوبين إلا أنها من المراحل الصعبة التي يقوم بها المختصون والتربويون، فعملية تعرف الموهوبين عملية محفوفة بالمخاطر والعقبات وذلک للعديد من الأسباب ومن أهمها المشکلات الفنية في استخدام أساليب تعرف المتنوعة وطريقة المعالجات الإحصائية والتي تتأثر بخصائص العينة في ضوء النظرية الکلاسيکية في القياس وکذلک التعامل مع نتائجها، بالاضافة إلى الاختلافات المتعددة في النظرة إلى الموهبة وکثرة التعريفات التي يتبناها الأفراد أو المؤسسات التعليمية والتربوية، مما يشکل عبئاً کبيراً في تحديد تلک الفئات في المجتمع.
وقد لاحظ الباحث من خلال الاطلاع على بعض الدراسات التي تناولت تعرف الموهوبين أنها تختلف في تناول أساليب الکشف عن هذه الفئة فبعض الدراسات استخدمت قوائم الخصائص السلوکية والبعض الآخر استخدمت اختبارات القدرات العقلية کاختبار ستانفورد بينية أو وکسلر، ففي دراسة (نعمات، 2018) والتي هدفت إلى بناء مقياس الخصائص السلوکية في القيادة لدى الطلبة الموهوبين والمتفوقين في الأردن، فقد توصلت الدراسة إلى قدرة المقياس في تمييز مهارات القيادة بين الطلاب الموهوبين والعاديين، واستخدم (محمد، 2018) قائمة لتشخيص طلاب الجامعة الموهوبين، وصنف أساليب تقييم الموهوبين المتفوقين إلى أساليب أساسية موضوعية لا غنى عنها مثل: اختبارات الذکاء الجماعية، واختبارات الذکاء الفردية، وأساليب تکميلية مکملة للنوع الأول مثل: مقاييس التقدير، ملاحظات الوالدين، تقديرات المعلمين، وترشيحات الاقران، والتقارير الذاتية، کما استخدمت دراسة (أحمد، 2018) استبانة لقياس درجة الابداع لدى الطلبة الموهوبين بالمرحلتين المتوسطة والثانوية بمدينة أبها بالمملکة العربية السعودية، وهدفت دراسة (شاهر، مي، 2019) إلى تطبيق مقياس ناجليري الأمريکي للکشف عن الموهوبين في البيئة السعودية والتحقق من وجود علاقة ارتباطية بينة وبين اختبار الموهبة المطبق في السعودية، وتوصلت الدراسة إلى أن مقياس ناجليري متنبئ جيد باختبار قياس الموهبة، وأظهرت نتائج دراسة (تسنيم، 2020) أن متغير اختبار وکسلر للذکاء يؤثر بشکل أساسي في القبول لمدارس الموهوبين وعدم معنوية اختبار الرياضيات، وأکد (علي، غريب، 2020) على أن عملية الکشف عن الموهوبين عملية معقدة تتطلب استخدام أکثر من أداة للقياس وذلک نظرا لتعدد أبعاد مفهوم الشخص الموهوب.