تحتل الدافعية اهتمامًا کبيرًا بين جميع العاملين في العملية التربوية، لما لها من دور في تحريک السلوک الإنساني وتوجيهه، إضافة إلى دور الدافعية في بناء الشخصية وما تلعبه من دور رئيس في عملية التعلم والتعليم. (البيلى، قاسم، الصمادي، 1997)
تعد الدافعية من العناصر الأساسية التي تؤثر في السلوک وأداء الفرد، الأمر الذي أعطاها أهمية کبيرة ضمن موضوعات علم النفس، فالإنسان يعيش حياته مدفوعًا نحو تحقيق أهدافه التي تبلور معنى الحياة عنده، کما أن التباين في السلوک من الناحية الکمية والکيفية في الموقف الواحد، أو تباين سلوکياته في المواقف المختلفة قد يکون سببه الأساسي هو الدافعية، ومن ثم يمکن تفسير کثير من السلوک الإنساني في ضوء نظريات الدافعية (العمر، 1987، 4-95).
والدوافع عبارة عن عملية داخلية توجه نشاط الفرد نحو هدف في بيئته، وليس بالضروري أن نجد کل الأفراد لديهم درجة عالية أو متساوية من الدوافع، وتؤدي الدافعية دورًا مهمًا بالنسبة للمتعلم، فهي تخدم غرضين في وقت واحد،فهي إما أن تکون هدفا في ذاتها، أو تکون وسيلة لتحقيق الأهداف التربوية. (منصور وآخرون، 2008، 164)
فالدافعية للتعلم لا يحدث بدونها التعلم، حيث إن المتعلم الذي يملک مستوى مرتفعًا منها فإنه يبحث عن المعرفة بقناعة ذاتية، ويکون التعلم بالنسبة له ذو معنى ويستمر طويلًا، ولا يقتصر على المعرفة الأکاديمية والبحث في حدوده الضيقة، ولکن يمتد إلى ما هو أوسع ليشمل القراءات الحرة والبحث والاستقصاء، والبحث النشط عن المعلومات الجديدة التي يحتاج إلى معرفتها، وينجذب نحو الموضوعات الغامضة التي تتطلب مزيدًا من البحث والتعلم، ويقبل التحدي في الحصول على المعلومات. (يونس، 2007، 248-270)
والدافعية وسيلة لأنها تشکل أحد العوامل التي تحدد ما إذا کان الطلبة سيتمکنون من تحقيق المعرفة والفهم والمهارات المستهدفة. فمن تستثار دافعيته؛ يحقق تعلمًا فعالًا وغير المستثارين يشکلون مصدر إزعاج، لهذا فإن العلاقة بين إثارة الدافعية والتعلم تعتبر من المهام الرئيسة الأولى للمعلم، فالدافعية شرط ضروري للتعلم وهى ليست ضرورية لبدء التعلم فحسب بل ضرورية للاستمرار فيه ولإتقانه ولاستخدامه في مواقف جديدة. وکل فرد في الحقيقة مجهز بالدافعية أصلًا من اللحظات الأولى للميلاد إلى حين وفاته، فالدافعية صفة تتميز بها المخلوقات الحية، ولکن على الرغم من ذلک فإن أسلوب المعلم قد يقلل أو يزيد من دافعية الطلبة للتعلم. وهذا يعنى أن انتباههم وطاقتهم يجب أن توجه للنشاط التعليمي الجديد، وهذا التوجيه لن يحدث إلا إذا کانت هذه الأنشطة ذات علاقة بالطالب وجديرة باهتمامه. (القطامي، 1998، 232-267)
ويشير (عدس وآخرون، 1995) إلى أن إثارة الدافعية يعنى جعل الطلبة يستمتعون بعملية التعلم ويجعلهم بالتالي يقومون بواجباتهم في حينها، ويسألون أساتذتهم أسئلة توضيحية، ويسهمون في النقاش الصفي، وربما يطلبون أعمالا إضافية وذلک کله لکونهم يعلمون أن مثل هذا التعلم مفيد لهم في حياتهم المستقبلية أو لأنهم يستمتعون بموضوع الدرس أو الاثنين معًا. وبهذا تعتبر الدافعية بمثابة الوقود الذي يديم رغبة الطالبة في حضور الدرس ومثابرتهم لمواجهة ما قد يصاحب ذلک من صعوبات، والمعلم هو الذي يقود إلى إثارة الدافعية من خلال الاهتمام بمحتوى الدرس وطرائق تقديمها من خلال اختياره لنماذج التدريس المناسبة، ونشاطات التفکير لدى المتعلمين.
وقد اهتمت کثير من النظريات النفسية بتفسير مفهوم الدافعية، فنظرية التحليل النفسي تتضمن مفهومين دافعيين هما؛ الاتزان الحيوي، واللذة، حيث يعمل الأول على استثارة وتنشيط السلوک بينما يحدد الثاني اتجاه النشاط أو السلوک، وتفسير الدافعية في ضوء نظرية "هل" کإحدى نظريات الحافز أو الباعث بأنه عندما تستثار الحالة الداخلية من خلال الحافز، يصبح الفرد مدفوعا للقيام بالسلوک الذي يقود إلى تحقيق الهدف الذي يعمل على تخفيض شدة الحافز،ويشير "سکنر" إلى مجموعة من الأفعال التي تشکل الاستجابة، وأن البيئة -الوسيلة عنصران فاعلان في عملية التعلم (باهى، شلبي، 1999).
وتلعب الدافعية دورًا مهمًا في تعلم الطلبة وتحصيلهم، ويعتبر مصدر الدافعية إما داخليًا حيث يعمل المتعلم من أجل التعلم وما يوفره من متعة في عملية التعلم وتحقيق الإنجاز، وقد يکون مصدر الدافعية خارجيًا وذلک في حالة التعلم القائم على تحقيق الجوائز ورضا المعلم والوالدين.(Lumsden,1994)
فمعتقدات الفرد حول فعالية الذات تحدد مستوي دافعيتهم، کما تحدد مقدار المجهود الذي يبذلونه ومدة مثابرتهم في مواجهة العقبات والعراقيل أو الخبرات الصعبة، وهى تعتبر سلوکيات تؤثر بشکل قوى في درجة نجاح الفرد في الأداء فکلما زادت ثقة الأفراد في فعالية الذات؛ زادت جهودهم وزاد إصرارهم على تخطى ما يقابلهم من عقبات وعوائق، في حين أن الذين يعانون من الشکوک الذاتية عندما يواجهون بعض المشکلات؛ فإنهم سرعان ما يقللون جهودهم فيحاولون حلها بطريقة فجة وغير ناضجة أو يترکونه. (عبد الرحمن، 1998، 368-369)
وبينت دراسة (Chu&Choi,2005) أن متغيرات الفعالية الذاتية باعتبارها من السمات العامة الدالة على وحدة الذات والتعلم تؤدى دورًا مهمًا ومحوريًا في المبادرة والقيام بالمهام المطلوبة وإنجاز الأهداف بنجاح يعد من أهم البارامترات الشخصية التي تحدد للفرد متى ولماذا وکيف يقوم بالعمل.
وتبين دراسة (Hardre,2003,247-269;Ryan,Deci,2000,68-76)أن بعض عناصر الدافعية الأکاديمية لدى الطلاب تنبع من إدرکاتهم الأکاديمية الذاتية ومن خلال التعامل المباشر مع المعلمين والأقران، وبينت نظريات التعلم الاجتماعي أن هناک عاملان يسهمان في الدافعية الأکاديمية هما، فعالية الذات الأکاديمية، ودعم الأسرة والمعلمين وعمليات الإرشاد من أجل بناء تعلم مستقل.
ولا يمکن فهم الأداء الأکاديمي للطلاب بدون فهم طبيعة دافعيتهم للتعلم من خلال إطار يؤکد أهداف المتعلمين، حيث يعتبر الأداء الأکاديمي للطلاب داخل الفصل الدراسي دالة لعديد من العوامل التي يتعلق بعضها بالدافعية ويتعلق الآخر بالظروف البيئية والخصائص العقلية للمتعلم. (جابر، 1999، 336)
وبينت دراسة شعبان وويستروم (Shaban,Westrom,1997) أن هناک علاقة بين اکتساب التعلم واستثارة الدافعية لدى الطلاب (في: حسن، 1998).
وهدفت دراسة آليان وباکون (Allyan,Bacon,2004) إلى أن الأشخاص الذين يتمتعون بفعالية ذات عالية؛ يکون لديهم القدرة على القيام بالمهام التي يشعرون بالحماس تجاهها، ويميلون إلى أدائها بشکل أفضل، ويکون لديهم دافعية عالية للاندماج في المهام الأکاديمية المختلفة.