يتبلور الأساس الفلسفي للديمقراطية التقليدية في المذهب الفردي القائم على کفالة وتقديس الحقوق والحريات السياسية اللصيقة بالأفراد، ذلک أن الإنسان الفرد هو الحقيقة الأساسية في بناء المجتمع. وقد کان له من الحقوق والحريات الطبيعية ما سبق وجود الدولة([1]). ومن ثم ظهر ما اصطلح فقهاء القانون الدستوري على تسميته حقوق "الجيل الأول" بما مفاده "الحقوق المدنية والسياسية"، وحقوق الجيل الثاني "الحقوق الاقتصادية الاجتماعية والثقافية"، باعتبار أن کل منهما جزءاً واحداً لا يتجزأ وتأسيساً على الحکم الديمقراطي في أن السيادة للأمة تمارسها عن طريق ممثليها، وانتشار حقوق الإنسان في کافة المجالات والتي تقوم أصالة على الأيديولوجية الديمقراطية([2]). ومع مراعاة أن کافة الحقوق والحريات السياسية منها والاجتماعية والاقتصادية ينبغي أن تقوم على مبدأ المساواة وحمايته الدستورية تکريساً وقضاءً، فالمساواة تعد دون منازعة مصدراً للديمقراطية والتي بدونها لا يمکن أن توجد کل من حقوق الجيل الأول أو حقوق الجيل الثاني([3]).
([1]) د. مصطفى محمود عفيفي، الديمقراطية السياسية بين الواقع والطموحات المستقبلية، مجلة الحقوق، مجلس النشر العلمي، جامعة الکويت، السنة الثالثة والعشرون، العدد الثاني، يونيو 1999، ص 138 وما بعدها.
([2]) وقد تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16 سبتمبر 1966 عهدين دوليين: الأول للحقوق المدنية والسياسية والثاني للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، انظر: د. خالد محمد الجمعة، مبدأ استقلال القضاء في العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية لدستور الکويت، دراسة مقارنة، مجلة الحقوق، العدد 1، لسنة 32 مارس 2008، ص 124 ؛ د. وائل حسين عبد الله العمري، الحق في التعليم في ظل المعايير الدولية، دار الفکر الجامعية، ط 2018، ص 115.
([3]) وتترادف کلمتي "الحق والحرية" في رأي غالبية الفقهاء، فيقول الدکتور يحيي الجمل في هذا الشأن "والحقيقة أن التفرقة بين الحريات والحقوق هي تفرقة شکلية جاري فيها منطوق النصوص الدستورية نفسها، انظر: د. يحيي الجمل، النظام الدستوري في جمهورية مصر العربية، دار النهضة العربية، ط 1974، ص 144، ولمزيد من التفاصيل: د. عبد العظيم عبد السلام عبد الحميد، حقوق الإنسان وحرياته العامة وفقاً لأحداث الدساتير العالمية والمواثيق الدولية، دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، ط 2005، ص38.
وهکذا تعد الدولة ملزمة بهذه الحقوق وبمبدأ المساواة في ممارستها، تنفيذاً للحماية الدستورية لها والتزاماً بالمصادقة على المواثيق والإعلانات العالمية لحقوق الإنسان، بل واتفاقاً مع مبادئ القضاء الدستوري في هذا الشأن وحيث تتمتع أحکامه بالحجية المطلقة. مما يبرر أهمية کل دراسة في هذا الشأن وعلى نحو التطبيق في إطار ما يقره القضاء الدستوري.