تکشف هذه الدراسة عن أن کارل بوبر قد استخدم منهجا واحدا في العلم وفي السياسة، هو منهج المناقشة العقلانية النقدية، الذي يسمح بالمقارنة بين النظريات المختلفة ويحاول اکتشاف أي من النظريات المتنافسة يفضي إلى نتائج أفضل. وإذا کانت المفاضلة بين النظريات العلمية المتنافسة في حل مشکلات مطروحة يتم من خلال محاولة التکذيب عبر الاحتکام إلى الاختبار التجريبي، فإن الاختيار بين النظريات الفلسفية والسياسية يتم عبر المناقشة العقلانية الحرة التي تخضع الأفکار، دوما وبشکل لانهائي، إلى محاولات للدحض أو التعزيز، وباعتماد قواعد النقد العقلاني، کطريقة في التفکير، بل والحياة أيضا، طريقة تعتمد أساليب الاحتکام إلى الحجج النقدية، واکتشاف الأخطاء والتعلم منها، وهذا ما يجنب الناس ويلات الصراع والعنف، کما يحررهم من اللاعقلانية التي تعني الاعتقاد بأن الجزء الأکبر الذي يحکم الإنسان هو اللاعقلي، أي الأهواء والعواطف والمشاعر. کما يحاول الباحث في هذه الدراسة إثبات أن العنف يؤدي دائمًا إلى مزيد من العنف، وأن الإصلاح العقلاني هو البديل الوحيد للعنف. تقتل الثورات العنيفة الثوار وتدمر مثلهم، والناجون الوحيدون هم الخبراء المهرة في البقاء على قيد الحياة. ما سوف تفضي إليه  الثورة هو على وجه اليقين فقدان حرية النقد والمعارضة. فقط في مجتمع ديمقراطي مفتوح، لدينا إمکانية معالجة المظالم. إذا دمرنا النظام الاجتماعي من خلال ثورة عنيفة، فلن نکون مسؤولين عن التضحيات الکبيرة للثورة فحسب، بل وعن الحالة التي من شأنها أن تجعل إلغاء الشرور الاجتماعية والظلم والقمع أمرا مستحيلا. من ثم من الضروري أن نعمل من أجل مجتمع أکثر رشدا تحل فيه الصراعات بشکل عقلاني، ونعني بـ "أکثر عقلانية" أنه لا يوجد مجتمع عقلاني مائة بالمائة، ولکن هناک دائما مجتمع أکثر عقلانية من المجتمع القائم ويجب علينا جميعا أن نجتهد في السعي نحوه، وأن هذا المطلب مطلب واقعي وليس يوتوبي.