عرفت اليمن منذ القدم العديد من المواضع المقدسة والمحترمة کالمعابد والکنائس وبعض المواطن الأخرى، التى کانت بمثابة الحرُم الأمن التى تُحرم فيها القتال والتعدى والتجاوز على الغير، ويأمن فيها الخائف، ويتم فى محيطها الأمور الحياتية والتبادل التجارى بحرية تامة، وقد استمرت تلک القداسة والتقدير لبعض المواضع (بيوت الصالحين والأولياء – الزوايا – القبور– الحوط ) فى اليمن بعد الإسلام، وخاصة فى ظل الفترات التى تتسم ببروز النمط البدوى القبلى على النمط الحضرى المدنى، وغياب دور الدولة وضعف مؤسساتها وکوادرها، وتسلط القيادات القبلية بدلا من القيادات المدنية، وشيوع الفتن والفوضى والصراعات.
وقد عُرف المجتمع اليمنى بتقديره واحترامه للأولياء والصالحين وکبار المشائخ ولبيوتهم وزواياهم وقبورهم " تربهم - أضرحتهم"، وقد بلغت درجه التقدير إلى أن أصبحت تلک المواضع مواضع مجلله وأمنه لها من المکانة والقُدسية شأن کبير لدى کل أفراد المجتمع على اختلاف مکانتهم وتعدد فئاتهم، وانتشرت تلک المواضع فى عموم مناطق اليمن، ونالت من التقدير والمهابة فى نفوس کافة أفراد المجتمع مالم تناله أى مؤسسات ومواضع أخرى. فلجأ إليها العديد من الأفراد على اختلاف طبقاتهم ومشاربهم - مؤمنين بقداسة تلک المواضع وموقنين باحترام الجميع لها ولأصحابها-، ليأمنوا على أنفسهم من بطش وظلم الحکام أو هاربين من عدالة القانون وتطبيق الشرع.
تنوعت الشخصيات التى استجارت بأماکن الاستجارة ما بين الرموز السياسية وکبار القيادات ورجالات الدولة، وبعض الخارجين والمتمردين على الدولة، والجناة من القتلة والمجرمين. وأوضاعهم داخل مواضع الاستجارة، وموقف المجيرين منهم، کمااختلف الموقف العام للدولة تجاه المستجيرين وأماکن الاستجارة ما بين احترامها وعدم المساس بحرمتها والتعرض للمستجيرين بها، وما بين خرق تلک الحرمة والهجوم والتعدى عليها والقبض على من بها من المستجيرين.