إنّ اللّغة العربية على الرغم مما تمتلکه من مؤهلات إلا أنّها لا تحظى بالمکانة اللائقة ولقد أصبح مجتمعنا يعاني من أزمة حقيقية تتمثل في تراجع استعمال اللغة العربية في الحياة اليومية وعلى المستوى الرّسمي أيضا في خطاب المسؤولين والوثائق الرسمية و الجامعات واللوحات الإشهارية .... و قد وصل الأمر حتى کتابة الکلام العربي بالأحرف اللاتينية ووصل مستوى التّراجع أن أصبح العربي يصاب بالخجل أحيانا عندما يتکلم بالعربية معتدين في ذلک بأعذار واهية، فبعضهم يتهمها بأنّها ليست لغة العلم و التکنولوجيا وآخرون يتهمونها بأنّها لا تضفي على المتکلم بها صفة الإنسان المتحضر وآخرون يرون بأنّ الغاية تبرر الوسيلة وبما أنّ اللغة تعد مجرّد وسيلة فقط فليس ثمة إشکال في التکلم بلغة أجنبية و المساهمة في تطويرها حتى ولو کان ذلک على حساب اللغة الأم ...
بعد هذا الطرح قد يسأل سائل قائلا: هل الخلل في اللغة العربية أم في متکلميها ؟
الجواب يأتي سريعا ليؤکّد بالقول أنّ العرب کانت أعزّ أيامهم زمن الاعتزاز بلغتهم، فاللغة العربية التي يتهمها البعض اليوم بالقصور هي نفسها التي بُـنيت بها الحضارة العباسية العربية التي بلغت عنان السّماء والتي عمرت ما يقرب ستة قرون (656 ه إلى 1213 ه) وقد ألف بهذه اللغة ابن سينا في الطب والخوارزمي في الرياضيات والبيروني في علم الفلک وابن الهيثم في الفيزياء ... وأتى الاعتراف بعظمة الحضارة العباسية العربية والإسلامية و فضلها على العالم ودورها في تطوير العلوم و بناء الحضارات حتى من قبل المستشرقين المعتدلين ومثاله ما قدّمته المستشرقة الألمانية "زيغريد هونکه" في کتابها "شمس العرب تسطع على الغرب"