الحمد لله مُشـرِّع الأحکام، ومرسل خير الأنام للبيان، والصلاة والسلام على النبي العدنان، وعلى آله وصحبه المقتفين لأثره والمتمسکين بسنته، ومن بعدهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن علم الفقه هو من أفضل علوم الدين، وأعلى منزلة أهل المعرفة واليقين، لما جاء فيه عن سيد المرسلين: «من يرد اللَّه به خيراً يفقهه في الدين»، ثم أنه  جاء بالهدى والنور، ومن ذلک ما شرع اللَّه على لسانه من التحليل والتحريم والوصايا والأدب وسير الأولين والآخرين. وقد سَخَّر الله لنا من العلماء من هم للعلم حُفَّاظاً مجتهدين، وعلى الأدلة معتمدين مستدلين، فاعتنوا بالعلم النافع وجمعوه وحققوه. فمن أشهر من اعتنى بالأحکام الفقهية، ومن أبرز شيوخ المذهب الحنبلي، المجتهد العابد الحافظ الفقيه الأصولي الموفق أبي محمد ابن قُدامة المقدسي ~ والذي قال عنه ابن تيمية ~: «ما دخل الشام بعد الأوزاعي أفقه من الشيخ الموفق ~». وقال عنه تلميذه ضياء الدين المقدسي: «کان إماماً في القرآن، إماماً في التفسير، إماماً في الحديث ومشکلاته، أما الفقه فقد کان أوحد زمانه فيه». وقد شرفت بفضل الله جل وعلا بالمساهمة في نشر فقه هذا الإمام المبارک من خلال هذا البحث العلمي للحصول على درجة الماجستير تحت عنوان: «اختيارات ابن قُدامة المقدسي الفقهية من أول کتاب البيع إلى نهاية کتاب النفقات».