لما کان القلب يُوصف بالحياة وضِدِّها، ويُوصف أيضاً بالصَّلاح والفساد، انقسم بحسب ذلک إلى عِدَّة أقسام، وقد دلَّت النصوص الشرعية على هذا الانقسام، ومن هذه النصوص قوله تعالى: (لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (53) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّکَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (54)) [الحج: 53، 54].
قال ابن تيمية رحمه الله -مُعلّقاً على الآية-: "جَعَلَ اللَّهُ الْقُلُوبَ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ : قَاسِيَةً, وَذَاتَ مَرَضٍ, وَمُؤْمِنَةً مُخْبِتَةً ; وَذَلِکَ لِأَنَّهَا إمَّا أَنْ تَکُونَ جَامِدَةً لَا تَلِينُ لِلْحَقِّ اعْتِرَافًا وَإِذْعَانًا أَوْ لَا تَکُونُ يَابِسَةً جَامِدَةً .
فـ"الْأَوَّلُ" هُوَ الْقَاسِي وَهُوَ الْجَامِدُ الْيَابِسُ بِمَنْزِلَةِ الْحَجَرِ لَا يَنْطَبِعُ وَلَا يُکْتَبُ فِيهِ الْإِيمَانُ وَلَا يَرْتَسِمُ فِيهِ الْعِلْمُ ; لِأَنَّ ذَلِکَ يَسْتَدْعِي مَحَلًّا لَيِّنًا قَابِلًا .
و"الثَّانِي" لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَکُونَ الْحَقُّ ثَابِتًا فِيهِ لَا يَزُولُ عَنْهُ لِقُوَّتِهِ مَعَ لِينِهِ أَوْ يَکُونَ لِينُهُ مَعَ ضَعْفٍ وَانْحِلَالٍ . فَالثَّانِي هُوَ الَّذِي فِيهِ مَرَضٌ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْقَوِيُّ اللَّيِّنُ .
وَذَلِکَ أَنَّ الْقَلْبَ بِمَنْزِلَةِ أَعْضَاءِ الْجَسَدِ کَالْيَدِ مَثَلًا فَإِمَّا أَنْ تَکُونَ جَامِدَةً يَابِسَةً لَا تَلْتَوِي وَلَا تَبْطِشُ أَوْ تَبْطِشُ بِعُنْفِ فَذَلِکَ مِثْلُ الْقَلْبِ الْقَاسِي أَوْ تَکُونَ ضَعِيفَةً مَرِيضَةً عَاجِزَةً لِضَعْفِهَا وَمَرَضِهَا فَذَلِکَ مِثْلُ الَّذِي فِيهِ مَرَضٌ أَوْ تَکُونَ بَاطِشَةً بِقُوَّةِ وَلِينٍ فَهُوَ مِثْلُ الْقَلْبِ الْعَلِيمِ الرَّحِيمِ فَبِالرَّحْمَةِ خَرَجَ عَنْ الْقَسْوَةِ وَبِالْعِلْمِ خَرَجَ عَنْ الْمَرَضِ ; فَإِنَّ الْمَرَضَ مِنْ الشُّکُوکِ وَالشُّبُهَاتِ. وَلِهَذَا وُصِفَ مَنْ عَدَا هَؤُلَاءِ بِالْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ وَالْإِخْبَاتِ". حقيقة القلب السليم، وعلامات سلامته