يعد نقد العقل الإسلامي المشروع الفکري الکبير الذي نذر له حياته وفکره؛ فکل آرائه وأفکاره تندرج تحت هذا المشروع الکبير، الذي يسميه مشروع العمر؛ ولذلک لن نفهم أفکار أرکون إلا بالوقوف على أبعاد هذا المشروع الذي تتبلور تحته کل آراء الرجل وتوجهاته. وفي سبيل نقد العقل الإسلامي يميز أرکون بين نوعين من العقول: الأول هو العقل الکلاسيکي الإسلامي، وهذا العقل هو سبب تخلف المسلمين وتراجع دورهم الفکري والحضاري؛ لأنه عقل تکراري اجتراري لآراء السابقين دون نقد أو تمحيص لها، وقد افترض طرقًا عدة يمکن من خلالها التعرف على هذا العقل، ولکنه يرى أن أکبر ممثل لهذا العقل هو کتاب "الرسالة" للشافعي؛ حيث يرى أن هذه الرسالة هي التي أصَّلَت لتجمد العقل الإسلامي وتراجع دوره الحضاري، بعد قضائها على مبدأ النقد. والثاني هو العقل الاستطلاعي التقدمي المنبثق المعتمد على الشک والنقد لکل شيء، وهذا العقل الذي ينشده؛ فهو ينشد عقلا لا يؤمن بمقدسات ولا تابوهات أو مسلمات؛ ولذلک يعتمد منهجا جديدا في نقد العقل الإسلامي يسميه بالإسلاميات التطبيقية، وقد تحدث عن مواصفاتها ومميزاتها، وقد اتخذها معولا لمحاولة هدم ونقد کل الثوابت الإسلامية، ولأهمية هذا الموضوع، ولاسيما أن أرکون يشکل مدرسة فکرية کبيرة فقد أردت الوقوف على أبعاد هذا المشروع، معتمدا منهجًا وصفيًا نقديًا في تناوله.