الحمد لله حمداً کما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشکره کما يجب لجميل فضله وجليل إنعامه، وأصلي وأسلم على صفوته من خلقه، وخاتم رسله محمد  بن عبدالله وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد :
فإن من أعظم العلوم الشرعية قدراً ، وأجلها شأناً علم أصول الفقه، وذلک لما فيه من حفظ الدين وصيانة الشريعة ؛ إذ هو القاعدة في معرفة أدلة الأحکام الشرعية، والمعتمد في الاجتهاد واستنباط الأحکام الفقهية، ولقد لقي هذا العلم عناية فائقة من المؤلفين فيه قديماً وحديثاً ، حتى قام واستوى على سوقه، ولقيت مباحثه ما تستحقه من عناية الباحثين واهتمامهم إلا أن بعض الموضوعات الأصولية الخاصة لم تحظ بالدراسة الشاملة التي تتناولها على وجه التفصيل، وتبين حقيقة موقف الأصوليين منها، ومن هذه الموضوعات التي يتطرق إليها الأصوليون في مناسبات مختلفة (التعدد) سواء کان ذلک فيما يتعلق بالأحکام أو الألفاظ أو المعاني أو الأشخاص أو الأقوال، في مسائل متفرقة ومتعددة انبنى على کثير منها مسائل أخرى، ويحيل عليها الأصوليون کثيراً کما في مسألة تعدد العلل أو تعدد المصيب في الاجتهاد وغيرها من المسائل،  ومسائل التعدد هي مسائل تتعلق  بأکثر من شيء واحد على وجه تتبين به مدى موافقة أحکام هذه المسائل في هذه الحالة "التعدد" لأحکامها في حال الوحدة والانفراد أو عدم ذلک . ومن هنا وقع اختياري على واحدة من هذه المسائل التي لها أثر في طرق المناظرة بين المستدل والمعترض في باب القياس وهي مسألة : تعدد الاعتراضات على قياس المستدل، وقد جرت عادة کثير من الأصوليين بذکرها في نهاية مباحث الاعتراضات الواردة على القياس فيجعلون الکلام عن تعدد الاعتراضات وترتيبها خاتمة لهذا الباب.