الحمد لله الکبير المتعال ، ذي العزة والجلال ، له الأسماء الحسنى وصفات الکمال ، وأشهد ألا إله إلا الله  وحده لا شريک له ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله وصفيُه وخليله وخيرته من خلقه ومصطفاه ، وأمينه على وحيه ، بلغ الرسالة ، وأدى الأمانة ، ونصح الأمة ، فکشف الله به الغمة ، صلى الله وسلم وبارک عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين .  
فإن الله سبحانه وتعالى تکفل بحفظ دين الإسلام ، إذ أنّ حِفظَه يکون بحفظ الوحيين - القرآن والسنة ) ، والعلم الشرعي بأصوله وفروعه الذي يستنبط منهما قال تعالى : " إنا نحن نزلنا الذکر وإنا له لحافظون " ،  وإنّ من  أعظم طرُق حفظ العلوم عامّة والعلوم الشرعية خاصَةً هو ما يسمى بــ - التدوين ) .   فتدوين العلوم وتقييدها يحفظها من الزوال ، ويصونها عن التعرض للتحريف والنسيان ، وهو من أيسر الطرق   لنشر العلم بين العالمين ، فبالتدوين ينتقل العلم بين الأجيال ، ولو تباعدت الأزمان .
  ولقد حظي العلم الشرعي – بحمد الله – بالنصيب الأکبر في التدوين على مر العصور إلى يومنا هذا ، ومن أبرز    ذلک تدوين العلماء للعقيدة الإسلامية فخرجت مؤلفات عديدة انتشرت بين الناس وانتفع بها المسلمون في سائر الأزمان .
   وقد کان غالب مؤلفات السلف الصالح – رضوان الله عليهم – ممن عاشوا في القرون الثلاثة الأولى من الهجرة جامعةً لأبواب الدين کله ، لا يفرقون بين ما يختص بالأصول أو الفروع ، ثم ظهرت بعد ذلک دوافع وأسباب  أحوجت إفراد علم العقيدة بمؤلفات خاصَة ، ومن أبرز العلماء الذين صنفوا في علم الاعتقاد العلامة ابن قدامة    المقدسي – رحمه الله – ، الفقيه البارع ، وصاحب العقيدة السلفية الصحيحة ، وله جهود کبيرة في بيان ونصرة عقيدة أهل السنة والجماعة ، وفي الرد على المبتدعة المخالفين لها .
   وقد وقع اختياري لهذا العالم الجليل لجمع ما کتبه في هذا الفنّ ، وبيان منهجه في تدوين علم الاعتقاد ، سائلاً الله تعالى أن يکتب لهذا البحث النفع والقبول .