فقد خلط کثير من الباحثين بين مصطلحى " مراعاة الخلاف ، والخروج من الخلاف " فسووا بينهما فى الحکم والأثر ، ورأوا أنهما عبارتان مترادفتان معناهما : العمل بمقتضى دليل المخالف على سبيل الندب إن کان يقول بالوجوب ، أو الترک بمقتضى دليله على سبيل الکراهة إن کان يقول بالحرمة، ورعا واحتياطا ، وجمعا بين أدلة المختلفين ، والعمل بمقتضى کل دليل ، فلا يبقى فى النفوس توهم أنه قد أهمل دليلا، لعل مقتضاه هو الصحيح ، فبالجمع ينتفى ذلک ، وهذا غير صحيح ، لأن بين المصطلحين فرق کبير ، وبون شاسع من حيث الحکم والأثر ، فالمصطلح الأول وهو مراعاة الخلاف ، أصل من الأصول التى قام عليها المذهب المالکى ، لا يکاد يوجد عند غيرهم ، وأثره فى الفروع عندهم هو الطلب اللازم ، سواء أکان فعلا أو ترکا ، لأن مراعاة الخلاف کما عرفه ابن عرفة هو : إعمال دليل فى لازم مدلوله الذى أعمل فى نقيضه دليل آخر . فهو عبارة عن إعادة نظر من المجتهد فى الحکم بعد الوقوع بسبب حدوث بعض المشکلات والسلبيات ، استدعت نظرا جديدا من المجتهد فى المسألة؛ مصحوبا بمراعاة دليل مخالفه فى هذا الحکم ، فيحکم فيها بمقتضى دليله أو ببعضه ، وإن کان مرجوحا فى أصل نظره ، تفاديا لهذه المشکلات التى نجمت بالتطبيق.