سهلت التقنية الحديثة عملية الاتصال والتواصل بين أطياف المجتمع، وقربت العالم، وجعلته في منصة واحدة، وفضاء مشترک؛ فساعد إتاحة الإنترنت وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي على تحقيق أهداف عدة کان يصعب إيجادها على أرض الواقع، إلَّا أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في غير هدفها الرئيس؛ أدى إلى إحداث خلل في حياة المجتمعات کافة: الاجتماعية، والأخلاقية، والصحية، والنفسية، حتى وصلت إلى مستوى العقيدة، والفکر، والسلوکيات، فظهرت مجموعة من السلوکيات غير الحميدة، منها ظاهرة التحرش التي استشرت بين أفراد المجتمع بأعمارهم المختلفة (ذکورا، وإناثا)، وظهرت في البيئات المختلفة: الشرقية والغربية، النامية والمتحضرة، المثقفة منها وغير المثقفة، المسلمة وغير مسلمة. إن الواقف على ظاهرة التحرش الجنسي ضد المرأة لا يجد سببا واضحا يُسَوِّغ حدوثها؛ فهي عوامل عدة، إلَّا أن التطور التقني أدى إلى تطور أشکال التحرش؛ حيث أصبح للتحرش الجنسي صور متعددة، وأشکال مختلفة، فراجت في ظل التطور التقني، والانفتاح الإعلامي، وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي ظاهرة التحرش الجنسي الإلکتروني؛ حيث تُعَدُّ البيئة الإلکترونية فضاء رحبا لا يعترف بالمکان ولا الزمان، وبيئة خصبة؛ ساعدت کثيرا على انتشار التحرش الجنسي الإلکتروني؛ لما فيه من إمکانات تسهل على مرضى التحرش الوصول إلى الشخص داخل بيته، وفي مکان عمله، وفي أي وقت، وقد يقتحم عليه خصوصيته؛ لينتقل التحرش من العالم الواقعي إلى العالم الافتراضي الإلکتروني. ولعل من أهم الأسباب المشجعة على ممارسة التحرش الإلکتروني خفاء المعالم، وغياب الهوية التي تساعد على هروب المتحرش - مهما کان - من نظرة المجتمع السلبية تجاه من يفعل ذلک في الواقع على أنه غير مُنضبطٍ اجتماعيا؛ وهذا بدوره جعل مواقع التواصل الاجتماعي بيئة مشجعة لممارسة التحرش الإلکتروني. وقف العلماء باختلاف تخصصاتهم يبحثون على أسبابه، ويقدمون الحلول المناسبة؛ للحد منه، وکلٌّ يعالجه من زاوية تخصصه، لذا يأتي هذا البحث محاولة لبيان أسباب هذه الظاهرة، والسعي إلى الوقوف على بعض حقائقها التي استشرت بين شباب أمتنا، حتى ظهرت بين الکبار، وبين مربي الأجيال، حيث تنتشر ظاهرة التحرش –مع محاولة إخفائها- في مجتمعنا العربي الذي يرتدي لباس الحياء من إظهارها، أو حتى الحديث فيها. يسعى هذا البحث الموسوم بـ( باثولوجيا التحرش بين الشريعة والإعلام، التحرش الافتراضي نموذجا ) إلى البحث في حقيقة التحرش الجنسي، وترکيز القول على التحرش الإلکتروني أو التحرش الصامت.