الغزل في الآداب کلها هو حديث الهوى والحب ، وتصوير عواطف الرجل ومشاعره نحو المرأة، وقد احتل الغزل في الأدب الجاهلي مکانًا ظاهرًا، وکان حظه فيه عظيمًا ، وقال فيه جميع الشعراء من اشتهر منهم ومن لم يشتهر، ولقد أرجع ابن قتيبة شيوع الغزل والتشبيب في الشعر الجاهلي إلى أسباب نفسية وفطرية عند الشاعر والمتلقي، وأرجع الدکتور جواد علي  الاهتمام  بالمرأة في الشعر الجاهلي والتغزل فيها إلى عوامل بيئية وجغرافية وحياتية، ولقد نظر کثير من الباحثين إلى الغزل الجاهلي باعتباره تجربة خاصة تعبر عن ذاتية الشاعر أکثر من الأغراض الشعرية الأخرى، التي تعبر عن جماعية الشعور الذي فرضته قبلية المجتمع، غير أن هذه الرؤية تکاد تکون ظالمة لواقع الحياة وطبيعتها في ذلک العصر، وتجعل من مکانة المرأة وأثرها مجرد شکلٍ شعري خاص ارتبط بذات ووجدان الشاعر فحسب . لقد کان الحب والعشق زادًا للشاعر الجاهلي ، ولا يجب أن ننخدع بما يظهره من زهد ألم به لعوارض الشيخوخة أو کبر السن، فقد رأي الشاعر الجاهلي في هذا الحب إشباعًا لوجدانه المفتقر للحنان والرحمة من حوله، ووجد فيه متعة جسدية وروحية افتقدها في سائر مناحي الحياة الأخرى في عصره . لقد رأى الشاعر الجاهلي في الحب وفي امتلاکه للمرأة ملاذاً لروحه المنهکة وأمانًا لوجدانه المکدود، ورأى أنه بهذا الحب وبهذه المرأة المعشوقة يتحقق له الارتواء من النشوة والمتعة الجسدية والروحية، واعتقد أن بها  قوة سحرية طقوسية خيرة تؤثر في الروح والجسد، ولعل أکبر دليلٍ على ذلک أنهم أطلقوا على أهم آلهتهم التي عبدوها أسماء أنثوية  کاللات و العزى ومناة . فرأي في المرأة  تميمة النجاة التي تقيه وتمنحه السعادة والبهجة ، واحتلت المرأة بمفاتنها الجسدية مکانًا کبيرًا في حياة الشاعر الجاهلي وفي إبداعه الشعري بشکل عام حيث رأى في مفاتنها  طريقه إلى الارتواء من اللذة والامتلاء بالنشوة فبالغ في تصوير تلک المفاتن وغالى في وصف هذه التفاصيل الجسدية .