التجريب خاصيّة جوهرية في الفعل الإبداعي، تأتي على السائد في النماذج المعيارية الضابطة للشکل والمضمون والأسلوب بخروقات مقصودة واعية لتخلخله بما يتناسب مع الخلخلة الحاصلة على مستوى الواقع ثقافة وفلسفة وقيما وغيره، فتولد نماذج معيارية جديدة؛ وتخلق أطر تجنيسية جديدة، أو تکتفي بالمحاولة التنويعية داخل الإطار المعياري المعتمد دون مساس بالسمات الفارقة التي تنتظم الخصائص الدلالية والمکونات النوعية والسمات النمطية الخاصة للعائلة الإبداعية. وعبر هذا التجريب القصدي ولدت الجنس الأدبي الجديد "القصة الشاعرة" بمزاوجة بعض السمات المميزة في جنسي شعر التفعيلة، والقصة القصيرة والقصيرة جدا، وتوظيف عناصر أسلوبية ما بعد الحداثة وما بعدها، محققا توليفة خصائصية مختلفة منحته استقلالية نوعية يتفرد بها عن غيره من الأجناس القارة. وکما أن التجريب کان البوابة التي عبرها جنس القصة الشاعرة ليحط في المشهد الإبداعي الأدبي، فقد ظل هذا التجريب حيّا فيه، حاضرا في کل تجربة إبداعية تعيد تصوير الرؤى والانفعالات تعبيرا أدبيا في إطاره بانفتاح مطلق الأجنحة على المساحات التجريبية لتشکيل توليفات متنوعة من عناصر العرض الجمالي للرؤى، وتفجير ممکنات کلّ منها ليکون کل نص تعبيرا عن حالة تجريبية خاصة للمبدع. وفي دور التجريب في تطور وتنوع الأجناس الأدبية وولادة القصة الشاعرة حصادا طبيعيا للفعل التجريبي الإبداعي من جهة، وملامح التجريب في القصة الشاعرة من جهة ثانية سيکون بحثنا هذا.