يشهد العالم ثورة رقمية هائلة، وانفجاراً معرفياً، ونعيش الآن طفرة في إنتاج الإلکترونيات الحديثة، کالهواتف والحواسيب، والأجهزة اللوحية، أصبح توظيف هذه التقنيات في التعليم ضرورة عصرية؛ لذلک سارعت بعض الدول لتوظيف هذه التکنولوجيا في مجالات التعليم وهيکلة الفصول الدراسية بطريقة مبتکرة لإضافة التشويق والإثارة الي البيئة التعليمية، وتطوير أساليب التواصل ابين الطلاب ومعلميهم مراعاة للفروق الفرديَّة بين الطلاب Strayer, 2007,1)).
ويشير(Strayer, 2007,17) الي أن أفضل أنواع التعليم؛ ذلک التعليم الذي يعيد هيکلة الفصول الدراسية لتوليد الشوق للمعرفة والمٌتعة والحيوية وتحريک المحاضرة خارج الفصول الدراسية باستخدام التکنولوجيا، ويدعم الواجبات المنزلية والممارسة مع المفاهيم داخل الفصول الدراسية عن طريق أنشطة التعلم، وکثير من المناقشات والقراءات والاطلاعات في تعلم يتمرکز حول الطالب لا المعلم، ويواکب العصر الرقمي الذي يعيشه الطلبة في حياتهم اليومية ويعمل على سد الفجوة الرقمية بين واقع حياتهم في المنزل وطبيعة التعليم الذي يتلقونه.
ولم يعد يخفي علي أحد أن التعلم الإلکتروني أصبح من ثوابت العصر، ونتيجة ذلک ظهرت عدة أساليب تعليمية، واستراتيجيات تدريسية مبتکرة قائمة على توظيفه في التعليم، ومن أبرزها مفهوم انتشر مؤخرًا في التعليم، وهو الصف المعکوس أو المقلوب (Flipped Classroom)؛ وهو شکل من أشکال التعليم المدمج الذي يوظف التکنولوجيا التعليمية بذکاء؛ لتقديم تعليم يتناسب مع متطلبات وحاجات الطالب الرقمي في عصرنا الحالي (علي عبد الواحد، 2015).
ويٌعد الصف المقلوب وسيلة لحل مشکلة الفجوة بين الدراسة النظرية للمعارف والعلوم المختلفة، وبين الجانب التطبيقي لها في حياة الطلاب العملية، مما يساهم في القضاء علي
الملل الذي أصاب التعليم، وعزوف الطلاب عن العملية التعليمية بشکل عام، وعن التخصصات العلمية بشکل خاص، مما يؤدي الي إقبال الطلاب علي التخصصات الحيوية التي تساهم في صنع اجيال متخصصة في صنع التقنيات الحديثة، وبناء مجتمع الاقتصاد المعرفي(عبد اللطيف الشامسي، 2015).
وبالرغم من أن مفهوم التعليم المعکوس هو مفهوم حديث وما زال يتشکل؛ إلا أن فکرته تقوم علي أن ما يتم عمله في البيت في التعلم التقليدي يتم عمله في الفصل، وأن ما يتم عمله في الفصل في التعلم التقليدي يتم عمله في البيت. فتعرض الطالب للمادة الدراسية يکون خارج الفصل سواء من خلال فيديو تعليمي يقوم المعلم بتسجيله وتحريرة ونشرة لشرح محتوي الدرس، أو الإطلاع علي المحتوي الکترونيا، أو قراءات خارجية متعلقة بموضوع الدرس (Brame, 2013, 4).
ففي هذه الحالة سيأتي الطلبة الي المدرسة، وهم مستعدون لتطبيق اساليب التعلم النشط في الفصول الدراسية في اکتساب المفاهيم وحل المشکلات، والمشارکة بفاعلية في الأنشطة داخل الفصل، وحل العديد من المسائل التطبيقية بدلاً من الاستماع إلى شرح المعلم؛ وبهذا يتمکّنُ الطلاب عامة، ومتوسطو الأداء خاصة، من الاطلاع على محتوي الدرس عدة مرات، ليتسنى لهم استيعاب مفاهيم الدرس الجديدة Bergman, &Sams, 2012, 14)).
ويري(عاطف الشرمان، 2015، 166) أن الصف المقلوب جزء من حرکة واسعة يشترک فيها التعلم بالإستقصاء، والتعلم المدمج، وغيرها من استراتيجيات التدريس، وأساليبه وأدواته المختلفة التي تسعي الي المرونة وتفعيل دور الطالب وجعل التعلم أکثر متعة وتشويقا.
وفي الصف المقلوب يتم تحويل الحصة التقليدية، من خلال الوسائل التکنولوجية المناسبة، والمتوفرة، إلى فيديوهات يتم تسجيلها، تحريرها، ونشرهاعلي الإنترنت بحيث يتمکن الطلاب من الوصول إليها خارج الفصل.لإفساح المجال للقيام بأنشطة أخرى داخل الحصة، مثل حل المسائل والمناقشات، وحل التدريبات والواجبات. وقد تأخذ التکنولوجيا هنا أشکالاً متعددة بما فيها الفيديو والعروض التقديمية (Power point) والمحاضرات الصوتية (Podcasts) والکتب الإلکترونية والتفاعل بين الطلاب والمعلم من خلال المواقع والمنتديات الإلکترونية وغيرها (Johnson et al., 2014, 36-37).
ويعتبر التعلم المقلوب (المعکوس)، هو نموذج تربوي يهدف إلى استخدام التکنولوجيا الحديثة في إعداد درس ذکي علي هيئة مقطع فيديو مدته ما بين 5 إلى 10 دقائق ويشارکه المعلم مع الطلاب في أحد مواقع الـويب، أو شبکات التواصل الاجتماعي، ويطلع عليه الطالب
في منزله أو في أي مکان آخر باستخدام هاتفه أو جهازه اللوحي قبل حضور الدرس ( نجيب زوحي، 2014أ ).
ويؤکد(Strayer, 2007,46) أن الصفوف المقلوبة ليست مرادفة للفيديوهات أو أنها استبدال للمعلمين بمشاهدة الفيديو، لکنها وسيلة لزيادة التفاعل بين الطلاب وبعضهم، وبينهم وبين مُعلميهم، وبيئة تعليمية نشطة تحفز مشارکة الطلاب في تحمل مسؤولية تعلمهم، بحيث يحدث تعلم يجمع ما بين التعلم المباشر والتعلم الذاتي.حيث يقترح المؤيدون لهذا التعلم، ألا ينحصر على الفيديو، بحيث يعطي المعلم خيارات للطلبة، وان بعض الطلبة قد يتعلم أفضل عن طريق قراءة فصل من الکتاب المدرسي، والبعض الآخر قد يستفيد من مشاهدة الفيديو، والملفات الصوتية، أو أي نوع من الوسائط التعليمية الأخري لتحقيق هدف الحصة(عباس سبتي، 2016).
وهکذا فإن ّاستخدام الفصل المقلوب يضمن إلى حد کبير الإسـتغلال الأمثل لوقت الحصة، حيث يقيّم المعلم مستوى الطلاب في بداية الحصة ثم يُصمّم الأنشطة التي سيحلها الطلاب داخل الصف من خلال الترکيز على توضيح المفاهيم للطلاب، وتثبيت المعارف والمهارات أثناء الإشراف على آداء الطلاب لأنشطتهم ويقدمُ الدعم المناسب للمتعثرين منهم، وبالتالي تکون مستويات الفهم والتحصيل العـلمي عاليةً جداً، لأن المعلم فيه يراعى الفروقات الفردية بين المتعلمين (نجيب زوحي، 2014ب).
ويضيف (قطين عبيد، 2015، 7) أن الفصل المقلوب يساهم في القضاء علي جمود الحصة ورتابتها، ويستعيد الدور التربوي للمنزل ويستثمر إمکاناته، ليصبح له دور أکثر تفاعلاً مع عملية التعليم والتعلم، من خلال استعراض محتويات الدرس الذي يرسله المعلم، ويقضي علي الفتور السائد علي العملية التعليمية في الآونة الأخيرة، ويزيد من الوقت المخصص للحصة لتصحيح االمفاهيم البديلة من خلال النقاشات العلمية المتخصصة، ومساعدة الطلبة المتعثرين بأساليب حديثة ومبتکرة تجمع النص والصوت والصورة خارج جدران الفصل الدراسي. إضافةً إلى أن استخدام وسائل سمعية وبصرية تسهم في إثارة حب الإستطلاع العلمي Science Curiosity، والأسئلة التي تدور في ذهن الطالب. وتزيد من دافعية التعلم .
في عام 2000 نشأت فکرة التعلم المقلوب (المعکوس)، عندما قدم (Baker,2000) ورقة بحثية بعنوان “The Classroom Flip: Using Web Course Management Tools to Become the Guide" في المؤتمر الدولي الحادي عشر (التدريس والتعليم الجامعي). حيث اقترح بيکر نموذج قلب نظام الفصول الدراسية عن طريق استخدام المعلم أدوات ويب وبرامج لإدارة المقرر عبر الويب لتقديم التعليم عبر النت في حين يقوم الطالب
بالتعمق أکثر مع الأنشطة التعليمية الفعالة والجهود التعاونية مع طلاب آخرين تحت توجيه وارشاد المعلم (ويکبيديا الموسوعة الحرة، 2014).
ويشير Strayer, 2007,1)) الي أن الإستعانة بالوسائل التقنية السمعية والبصرية لتوضيح مفاهيم الدرس للطلاب وتشويقهم إليه. يحول دور المعلم من ملقن إلى مرشد وموجه ومساعد ومحفز، واستشاري للطلاب يشرف على سير الأنشطة ومقدماً الدعم لمن يحتاجه، أما الطالب فأصبح المحور الأساسي في عملية التعلم وتحول دوره من متلقي سلبي للمعلومات إلى باحث عنها ومستخدم للتکنولوجيا من خلال تعلم محتوي الموضوعات الدراسية خارج الفصل الدراسي.
ويري (علي عبد الواحد، 2015) أن الصف المعکوس أو المقلوب
(Flipped Classroom) استراتيجية تعليمية تقوم على توظيف التکنولوجيا بتسجيل فيديو يشرح محتوي الدرس ثم نشرة للطلاب علي الإنترنت، ويستمع إليه الطلاب في أي مکان خارج الفصل، مما يساهم في تطوير طرق التدرس وزيادة دافعية الطلاب للتعلم والتواصل مع المعلم ثم يطبقون ما تعلموه من التسجيل عمليا داخل الصف وبذلک يحدث تبادل الأدوار لمهام البيت والصف.
يمنح تصنيف بلومBloom الإطار للمقارنة بين نتائج التعلم في الحصة التقليدية بالفصل، والفصل المقلوب، وتم الترکيز أثناء الحصة على نتائج مستوىات التعلم العليا مثل مستوي التطبيق والتحليل والتقويم والابتکار، ونتائج المستويات المنخفضة خارج الفصل مثل مستوي المعرفة والفهم، وهذا يعني أن انقلاب الأدوار قد يکون بسيطاً کمشاهدة لفيديو قبل الحصة، ثم الذهاب الي الفصل للنقاشات المتعمقة، والمتعلقة بتحليل المهام والأنشطة والتفکير فيها بشکل نقدي وحل المسائل، وإصدار الأحکام، والإبداع(Weitzenkamp,2013).
يؤکد Wade,2014.1)) علي أن استثمار الوقت في الحصة للرد على استفسارات الطلاب، ومساعدتهم في الوصول لحل المهام والأنشطة التي تساعدهم علي تطبيق ما تعلموه، ومعالجة المشکلات التعليمية من شانه أن يساهم في تحسين درجات الطلاب في المواد الدراسية. وتشجيعهم على استخدام التکنولوجيا في الفصول الدراسية، بما فيها الکتب الإلکترونية، والهواتف الذکية؛ کون هذه التکنولوجيا تتناسب مع احتياجاتهم وتوفر لهم بيئة مرنة للتعلم وتحقق الجودة التعليمية من خلال توظيف الصف المقلوب.