الحديث عن الأجناس الأدبية المعاصرة مبحث يجدد نفسه طالما تجددت محاور النقد ومشاربه وسياقاته ، وتجددت موازية لها علوم اللغة والأساليب والتراکيب والمناهج ، والمعارف الإنسانية مجتمعة ، وعلوم النصية المعاصرة ، ومن ثم لمسنا النص الأدبي يتقلب عبر مناهج ومذاهب وقراءات کثيرة ، فيتمحور مرة بين الانطباعية والعقلانية والأخلاقية والعملية ، ومرة بين الاجتماعية والتاريخية والنفسية وغيرها ، حتى استوى عوده ، وصار علمًا قائمًا بذاته ، خاصة مع اسهمات فان ديک وبارت وياکوبسون وتودروف وريفاتير [1] ، باعتبار أن حرکة الأدب المعاصر وحرکة الدراسات البحثية الأدبية الراهنة ترتبط ارتباطا مباشرًا بحرکة الحياة الإنسانية عامة ، وبما يمکننا أن نسميه بالتحولات المعاصرة للأنساق الثقافية والاجتماعية والفکرية والحضارية ، في تنوعها وتجددها وديمومتها ، وفي مختلف وسائل التعبير عنها ، وبمنظومة الصلات البشرية کافة ، خاصة مع اتساع شکول العلاقات الاجتماعية عبر وسائل الاتصال الحديثة ، وتغير معايير القيم ومفاهيمها وتبدلها ، وتحول الأنماط المعرفية والفکرية ذاتها من حال إلى حال ، مما ألقى بظلاله على فکر (المنهجية ) لبنية النص الأدبي ولغته وخياله وإيقاعاته المختلفة ، وفکر ( المنهجية ) في المعالجة النقدية للناقد الأدبي ذاته ، في تواشجه مع أبعاد النص الأدبي المعاصر ورموزه ، وتعامله معه من زاوية التحليل والقراءة البينية ، تماشيا واستجابة لتغير تيار الوعي المعاصر وانتفاضته في معظم الميادين الأدبية والفکرية والعلمية ، حتى بات النص يکشف بطرق مباشرة أو غير مباشرة عن منطق الخروج عن الثوابت ، أو ما يسميه النقاد المعاصرون بـ (انکسار النوعية ) [2]، خاصة مع هذا التقارب الذي نراه بين الشعرية والروائية حاليا – على سبيل المثال – مع تبادل التقنيات الفنية بينهما .
[1] - النص الشعري وآليات القراءة – د . فوزي عيسى – دار الوفاء لدنيا للطباعة والنشر – الطبعة الثانية - الإسکندرية 2012 – ص 7 . [2] - راجع : بلاغة السرد – د . محمد عبد المطلب – الهيئة المصرية العامة للکتاب – القاهرة 2006 ، و د . علي عشري زايد – عن بناء القصيدة العربية المعاصرة – مکتبة ابن سينا – القاهرة 1992 م ، ود . عبد العزيز حمودة – المرايا المقعرة – ط عالم المعرفة – الکويت – 2001 م ، وجابر عصفور مفهوم الشعر – الهيئة المصرية العامة للکتاب – 1995 م .