لفترة طويلة، مثلت قناة السويس في الذهن العام لقطاع عريض من المصرييـن جزءا من تاريخ مضى وليس مستقبلا قادمــا، وتعبر عن دولة ناهضة من التخلف والتبعية مقارنة بانعکاسها على مجتمع قابل للتطور وراغب في التحدي، وترتبط بمواجهـة الأطماع الاستعماريــة أکثر مما تهدف إليه لتحقيق الآمال التنموية.. غير أن القناة تمثل حاصل جمع هذه الثنائيات معا.
ومثلما کانت القناة تجسيدا حيا لمعرکة "الدم والعرق والدموع" في فترات الاحتلال البريطاني وبعد الحصول على الاستقلال الوطني فهي تمثل أيضا، في المرحلة الراهـنة، تطبيقا واقعيا لحالة "البناء والتنمية والأمل" لتجــاوز عتبة الکساد الانتقالي الذي تعرضت له البلاد بعد الحراک الثوري في عــام 2011، بما يجعل مشـروع القنـاة الجديدة بوابة حقيقية لمصر تصالح بها ماضيها وترتب حاضرها وتعانق مستقبلها.
فعلى درب المشروعات العظمى التي غيَّرت وجه مصر في العصر الحديث، يأتي المشروع الجديد في قناة السويس، مثلما تعتبر قناة السويس الأولى جوهرة هائلة على هذا الدرب حيث حولت مصر لممر لعشر التجارة العالمية بإيرادات متجددة بلا تکاليف تقريبًا.
کما أنها المشروع الأهم في تاريخ مصر الذي أدى إلى نقل کتلة کبيرة من سکان وادى النيل ودلتاه المکتظين بالسکان إلى منطقة جديدة هي قناة السويس، وتحولت السويس من مدينة صغيرة إلى مدينة کبيرة، بينما تم استحداث مدن الاسماعيلية وبورسعيد وبور توفيق وبور فؤاد. (1)
کما تعد سيناء بمثابة نموذج قومى رائد للتنمية تطبق فيه سياسات غير تقليدية لبناء مجتمع جديد يساهم فى حل الکثير من المشاکل الرئيسية خاصة مشکلة التکدس السکانى بالوادى وتوافر فرص عمل جديدة، ذلک حيث تتعدد وتتنوع مقوماتها لما تملکه من ثروات ضخمة وفريدة.(2)
ولقد جاء مشروع قناة السويس الجديدة مواکبة لما تشهده مصر الحديثة من مشـاريع نهضوية ، فمشروع القناة ليس مجرد طريق للعبــور فحسب، بل هى عمل متکــامل للتنميـة والاستثمـار والتصنيـــع بما يکفل للمواطن المصرى حقه فى العيش الآمن والحياة الکريمة.
وتعتبر القناة الجديدة واحدة من أهم المشروعات الاستراتيجية العالمية فهى ليست مشروعاً داخلياً ، فحسب بل هى مشروع عالمى يساعد على جذب المزيد من الاستثمـارات الأجنبيـــة لمصـر من خـلال المشروعـات الاقتصادية المصاحبة، فتوفر الکثيــر من فرص العمل، ولأول مرة تستوعب القنـاة ناقلات النفط العملاقـة، وسفن الحاويات الضخمــة التى کانت تنطلق من رأس الرجاء الصالح وتدور حول القارة الإفريقية ، فهى تفتح الطريق مشرّعـاً ما بين آسيــا وأوروبا ، وبذلک تعيد الحياة إلى طريق الحرير الصينى من جديد.
کما أن هذه القناة سوف ترفع من معدلات الملاحة التجارية فى البحر المتوسط، فينعکس ذلک إيجابياً على نشاط الموانئ البحرية الأوروبية، مما يشجعها على زيادة الاستثمـار فى بنيتها الأساسية، حتى تتمکن من استيعاب المزيد من حرکة السفـن والبضائع ، کما ينعکس ذلک على موانئ البحـر الأحمـر، وبشکل خــاص الموانئ السعوديـة بجدة وينبع ورابغ وجــازان فينتعش الاقتصاد فيها وتزدهر التجارة ، بالإضافة إلى الموانئ اليمنيـة والموانئ المصرية وموانئ القرن الإفريقى.
لقد بدأت الدول الأوروبية بإعداد الدراسات التى تبين الآثار الإيجابية للقناة عليها، کما بدأت الوفود الاقتصادية الأوروبية بزيارة مصر للبحث فى الفرص الاستثمارية المتاحة فى مشروع التنمية لمنطقة القناة ، کل ذلک سوف يعزز من فکرة تحويلسينــاء إلى سوق حرة عالمية، کما سينعش مشروع الجسر الذى يربط بين المملکة العربية السعودية ومصر عبر سيناء.(3)