تعتبر الحياة سلسلة من التغيرات التي تستدعى أن يتوافق الفرد معها، أولاً لإشباع حاجاته، وثانيا للمحافظة على توازنه، وهو ما ينطبق على بيئة المنظمات بمختلف أنواعها، فقد أصبح مجال العمل من أهم المجالات التي ينبغي أن يحقق فيها الفرد قدرا عاليا من التوافق النفسي والمهني، إذ تربط الأفراد فيما بينهم علاقات وتفاعلات مختلفة نتيجة تباين خلفياتهم واتجاهاتهم وقيمهم، وادراکاتهم وآراؤهم، وبالتالي تتمايز سلوکياتهم الفردية والجماعية، التي ينتج عنها آثار سلوکية ونفسية وانفعالية تؤثر بدورها على المنظمة وأهدافها واستمرارها، کل هذه المعطيات تجعل العمل وظروفه أکثر صعوبة، وهذا يتطلب مهارات ينبغي أن يکتسبها المديرين ليتمکنوا من إدارة الصراع بطريقة صحيحة مما يترتب عليه زيادة إنتاجيتهم وتحسين أدائهم الذي ينعکس على المنظمة من جهة عامة؛ کما يرفع مستوى توافقهم من جهة خاصة.
إن المنظمة الفاعلة تلعب دورا حاسما في تحجيم حدة الصراع، وتکييفه واستخدامه في تعزيز قدرتها الإيجابية على توجيهه إيجابيا بغية تحقيق أهدافها، في ضوء المعارف الإنسانية المتطورة، ولقد تطورت الأساليب العلمية لمعالجة الصراع داخل الفرد، والجماعات، والمنظمات وفقا للمتطلبات الفکرية والفلسفية التي تبنتها المدارس الإدارية المختلفة، فقد اعتمدت المدرسة الکلاسيکية (التقليدية) أسلوب السلطة (القوة) في مواجهة الصراع وحسمه وتحجيمه، أما النظريات الحديثة فقد اعتمدت أساليب مغايرة تماما للمتطلبات التقليدية في مواجهة الصراع، إذ لم تعد فکرة قبول أو رفض وجود الصراع محورا للنقاش، بل الأهم هو طريقة التعامل معه في حالة وجوده، وقد عدد الباحثون والمفکرون الإداريون جملة من الأساليب، التي يختلف أثرها ومداها حسب نمط الصراع الذي تتعامل معه، وتتراوح ما بين اساليب داعمة للإبداع والابتکار، أو سبب للتدمير والهدم.
إن إدارة الصراع لا تعني حله، فحل الصراع يتطلب التقليل من الصراع وإزالته، بينما إدارة الصراع تتطلب بدء تشخيص الصراع بهدف تحديد حجمه ليتم على ضوء ذلک عملية التدخل فيه، بإيجاده إن کان منعدماً، وزيادته إن کان أقل من الحجم المناسب، وتقليله إن کان أکثر من اللازم؛ هذا وتعتبر جودة حياة العمل فلسفة مبنية على مجموعة من المبادئ التي أساسها أن الأفراد هم أکثر الموارد أهمية في المنظمة، لما لهم من قدرة على عمل الإسهامات القيمة داخل المنظمة لتحقيق أهدافها، لذا تهتم هذه الفلسفة بدراسة وتحليل المکونات والأساليب التي يجب أن تستخدمها إدارة المنظمات فيما يخص بيئتها الداخلية لتوفير حياة وظيفية أفضل للعاملين بما يسهم في رفع أداء المنظمة ويحقق الإشباع لحاجاتهم ورغباتهم، وکلما تميزت بيئة العمل بالقبول والرضا من العاملين ساهم ذلک في جعل الأفراد متوافقين بشکل أفضل مع وظائفهم بما يؤدي في النهاية للحصول علي أداء أفضل.
ولأن الصراع جزء من الحياة اليومية في حياة الافراد وبيئة العمل الداخلية، لذا کان لابد من التعرف على الاستراتيجيات التي يتم التعامل بها مع الصراعات التي تنشأ في بيئة العمل من اجل تحقيق جودة حياة العمل؛ وفى ضوء ما سبق، عمدت الباحثة إلى معرفة دور استخدام إدارة شرکة من کبرى شرکات مصر والوطن العربي وهي شرکة المقاولون العرب، لمجموعة من استراتيجيات إدارة الصراع في تحقيق جودة حياة العمل بهذا الصرح الاقتصادي الکبير.