استهدفت هذه الدراسة بصفة أساسية التعرف على مستوى التماسک الأسري الريفي بقريتين بمحافظة الفيوم، وذلک من خلال: التعرف على مستوى التماسک الأسري الريفي لأسر المبحوثين بقريتي الدراسة، واستکشاف العلاقات الارتباطية المحتملة بين مستوى التماسک الأسري الريفي وبين بعض المتغيرات المدروسة، والتعرف على تأثير المتغيرات المستقلة المدروسة على مستوى التماسک الأسري الريفي، والتعرف على أهم المشکلات الأسرية وکذا مقترحات حلها من وجهة نظر أرباب الأسر المبحوثين. وقد تم إجراء الدراسة بقريتي دمو، واللاهون التابعتين لمرکز الفيوم بمحافظة الفيوم، وذلک على عينة عشوائية من الأسر بلغ قوامها 290 أسرة تمثل نسبة 5% من إجمالي عدد الأسر بقريتي الدراسة. وقد تم جمع البيانات الميدانية من أرباب الأسر المختارة بالعينة البحثية بواسطة استمارة استبيان تم استيفاء بياناتها عن طريق المقابلة الشخصية للمبحوثين. وقد تمثلت أدوات التحليل الإحصائي المستخدمة في الدراسة في: جداول التوزيع التکراري، والنسب المئوية، والدرجات التائية لمعايرة بعض المتغيرات المرکبة، ومعامل الثبات (α) لقياس درجة ثبات بعض المقاييس المرکبة، علاوة على استخدام معامل الارتباط البسيط لبيرسون وأسلوب تحليل الانحدار المتعدد للتعرف على طبيعة العلاقات بين متغيرات الدراسة واختبار فروضها.             وقد أوضحت النتائج أن حوالي 15.5% من إجمالي أسر المبحوثين بالعينة البحثية يعانون من انخفاض مستوى التماسک الأسري، وأن نحو 70.0% منهم لديهم مستوى متوسط من التماسک الأسري، وأخيراً فإن قرابة 14.5% من إجمالي أسر المبحوثين يتميزون بارتفاع مستوى التماسک الأسري. وقد تمثلت أهم المتغيرات المؤثرة على مستوى التماسک الأسري الريفي في: عمر الزوج، وحجم الأسرة، وحجم الأدوار الوظيفية الأسرية، ومستوى استقلالية الأسرة في اتخاذ القرارات. وخلصت الدراسة إلى مناقشة أهم النتائج، وإبراز دلالاتها النظرية والتطبيقية.   المشکلة البحثية             تعد جهود التنمية من أهم الوسائل التي تنتهجها الدول النامية ومنها مصر للإرتقاء بمستوى معيشة سکانها، وتحقيق التقدم في المجالات الاجتماعية والاقتصادية بالسرعة والکيفية التي تمکن هذه الدول من تقليل فجوة التخلف بينها وبين المجتمعات المتقدمة، وذلک من خلال الاستفادة من کافة الامکانيات المادية والبشرية المتاحة، وإعادة تشکيل البناء الاجتماعي بما يتناسب والتغيير المنشود (حمودة، 1999: 60).             ولا شک أن للعنصر البشري أهمية کبيرة في إنجاح جهود التنمية، لذلک فقد رکز الکثير من الباحثين على الاهتمام بتفغيل دور العنصر البشري للمساهمة بإيجابية في مشروعات وبرامج التنمية المنشودة، ذلک أن العنصر البشري إنما يمثل في الواقع العمود الفقري الذي تعتمد عليه المجتمعات المختلفة في دفع عجلة التنمية، فإذا لم يساند سکان المجتمع حرکة التنمية، فلن يتمکن المجتمع من تحقيق أهدافه في التقدم والرفاهية (جامع، 2010: 31).             ولا يمکن دراسة العنصر البشري إلا من خلال الجماعة الأولى والأساسية في تکوين المجتمع، ألا وهي الأسرة، فالأسرة تعبر عن الاستقرار البيولوجي من حيث محافظتها على النوع، و تعبر عن الاستقرار الاجتماعي من حيث تعاقب الأجيال، ذلک التعاقب الذي يرسخ مفهوم الدوام في البناء الاجتماعي، کما تعبر الأسرة عن الاستمرار الثقافي من حيث تقديم العناصر الثقافية بالطريقة التي صاغها المجتمع لأفراده الجدد (الخولي، 1984: 57- 58).             وتمثل دراسة الأسرة الريفية أهمية خاصة في المجتمع المصري، فارتباط الأسر الريفية المصرية بمهنة الزراعة قد أضفى على هذه الأسر خصوصية واضحة، کما أضفى على الحياة الريفية بصفة عامة الکثير من خواصها المميزة، مما يمکن معه الإدعاء بأن مهنة الزراعة قد شکلت أسلوب حياة الأسر الريفية المصرية، وطبعتها بالکثير من خصائصها التقليدية، فالعمل الزراعي التقليدي والذي يسمح بأن يشترک في أدائه جميع أفراد الأسرة الريفية قد أضفى نوع من التجانس والتشابه بين أفراد الأسرة الواحدة، وساهمت مهنة الزراعة أيضاً في رفع مستوى التماسک الأسري بين أفراد الأسرة الريفية المصرية، وقوت العلاقات الاجتماعية فيما بينهم، وسهلت الزواج الداخلي بين الأقارب، وکانت سبباً رئيسياً في انتشار نمط الأسرة الممتدة بالريف المصري (العزبي، 2010: 198).             إلا أن التغيرات السريعة والمتلاحقة التي يشهدها العالم اليوم بسبب التحول السريع في نمط الحياة من اليدوية إلى الصناعية، أو من القروية إلى الحضرية، أي بصفة عامة من الحياة البسيطة إلى الحياة المعقدة، قد فرضت أنماطاً جديدة من العلاقات داخل الوحدات الأسرية الريفية، مما تسبب في ظهور بعض المشکلات الاجتماعية التي تعاني منها الاسرة الريفية اليوم، وهو الأمر الذي أثر في النهاية على مستويات التماسک الأسري الريفي المصري (غيث وسعد، 1992: 147). وعلى الرغم من أهمية دراسة مجال التماسک الأسري بالمجتمعات الريفية، إلا أنه لا توجد بالمکتبة العربية دراسات کافية ترصد بدقة مستويات التماسک الأسري الريفي والعوامل المرتبطة به والمؤثرة عليه، حيث مثل ذلک المنطلق الرئيسي لهذه الدراسة.