ينبغي الترکيز على المعلمين والمعلمات الذين يمثلون أحد المرتکزات الاساسية في تطوير عملية التعليم والتعلم، ويکون هذا الترکيز من خلال تلبية احتياجاتهم الوظيفية والشخصية، وتوفير الخدمات العامة والظروف والإمکانات المادية والمعنوية التي من شأنها تحقيق الرضا الوظيفي لديهم لا سيما من خلال عملية الاثراء الوظيفي.
وحيث أن عملية التعليم والتعلم ضرورة من ضرورات الحياة للإنسان، ولا تستطيع الامم النهوض والتقدم وتطوير ذاتها الا اذا اتخذت من التربية والتعليم وسيلة واستراتيجية مهمة في مواجهة التحديات والصعوبات الناجمة عن التطورات السريعة والمتلاحقة، في الوقت الراهن وتأهيل قيم هذا التقدم والتطور في حياة الافراد، بشکل يساعد على تنمية شخصياتهم، ويمکنهم من النمو بشکل متوازن للعب الادوار الفاعلة في بناء المجتمع وبالتالي النهوض بالدول مستقبلا([1]).
کما أن العملية التعليمية عملية مستمرة لا تقاس جودتها وامتيازاتها بمعايير مستمدة من داخل العملية التعليمية ذاتها فقط، لکنها تقاس ايضا بمعايير تتعلق بفائدتها وفاعليتها ومدى تناسبها مع الحاجات المتغيرة للطلبة والمعلمين معاً، فالطلبة هم محور العملية التعليمية، والمعلمون هم اصحاب رسالة يهتمون بإعداد جيل جديد، وليؤدوا هذه الرسالة بکفاءة واقتدار لابد أن يمتلکوا مجموعة من المهارات الاساسية تساعدهم على احداث تغييرات في سلوکيات المتعلمين.
وهذا يتطلب تطوير القدرات والمهارات والمؤهلات الاکاديمية والتربوية للمعلمين إضافة الى تحقيق الرضا الوظيفي عن مهنتهم بعملية الاثراء الوظيفي والذي ينعکس على حماسهم ودافعيتهم وعلاقاتهم بطلبتهم([2]).
ونظراً لأن طبيعة الوظيفة التي يمارسها المعلم داخل المؤسسة تمثل إشکالية رئيسة في دورة العمل، فإن نجاح العمل بهذه المؤسسات أو تلک يعتمد في الأساس على مستوى الدافعية لدى المعلمين والمعلمات، ومن ثم مستوى الرضا المهني عن وظائفهم، وفي هذا المجال جاءت المحاولات المستمرة لتحسين جودة مناخ العمل في أي مؤسسة من خلال تحسين نظام الحوافز، وتطوير عمليات التواصل الإنساني في سعي دائم لتحقيق الرضا المهني للعاملين، وزيادة الدافعية، ورفع مستوى الإنتاجية بين العاملين في هذه المؤسسة من خلال عملية الإثراء الوظيفي.
وفي ظل مظاهر التغيير الملحوظ والمتسارع في شتى مجالات الحياة، لا تستطيع المؤسسات التعليمية ومنها (المدرسة) التي تسعى للتطور والنمو أن تقف مکتوفة اليدين، وان تترک الأمور للظروف والصدفة تتحکم بمصيرها وتملي عليها نوع التغيير، أو المحافظة على الوضع الراهن فيها، بل يتوجب على المديرين والعاملين داخل المدارس السعي الجاد لإدارة عملية التغيير، من خلال الجهود الواعية والمتواصلة لمراقبة ورصد وتشخيص المتغيرات البيئية الداخلية والخارجية، وتخطيط التغييرات التنظيمية اللازمة لکي تتمکن المؤسسة التعليمية من التکيف مع هذه المتغيرات، وتحسين قدراتها على حل مشکلاتها.
لذا أصبح حسن القيادة وکفاءتها من الخصائص المهمة التي تمتاز بها المدرسة المعاصرة لأنها تعمل على تفاعل کافة عناصر العملية التعليمية کالتلميذ والمعلم والمنهج والبيئة المدرسية بکل مکوناتها لينتج عنها ما هو مطلوب إنتاجه من متعلمين تم تنمية شخصياتهم بالقدر المطلوب وبأقل ما يمکن من الجهد والوقت والمال، أي بکفاية إنتاجية عالية وذلک من خلال الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة في هذا المجال.
وظهر مدخل الإثراء المهني في محاولة لإعادة تصميم الوظائف بما يسهم في تحقيق التوافق بين الفرد العامل ومتطلبات الوظيفة ومحتوى مهاراتها، وذلک من خلال تحديد خصائص ومتطلبات الوظيفة وواجبات الفرد فيها مع العمل على إيجاد التوازن بين متطلبات تأدية مهام العمل بفعالية ومهارات القائم على هذا العمل، وذلک في ضوء خبرات بعض الدول المتقدمة کـ (اليابان – ماليزيا – المانيا – فنلندا).
ويعد التطوير التنظيمي نشاطاً من الانشطة التي تهدف إلى إحداث تغييرات في بعض أو جميع العناصر التي تتکون منها المنظمة من أجل مواجهة بعض التغييرات والأحداث المؤثرة فيها والتي تحدث بداخلها أو خارجها في البيئة التي تعيش في کنفها، وذلک من أجل تحسين قدرتها على حل المشکلات، وتطوير نفسها([3]).
وهناک مجموعة من العوامل التي تستدعي القيام بتطوير القيادة المدرسية منها: تغيير أهداف المنظمة مما يستدعي إدخال تغييرات تنظيميه على أنشطتها, کما أن انخفاض الروح المعنوية لدى العاملين، وبطء العمل، وارتفاع تکلفته، وتدني الإنتاجية تستدعي إدخال تغييرات تنظيميه من اجل القضاء على أسباب الانخفاض وذلک من خلال قياس مدى تأثير عملية الاثراء الوظيفي.
ويرى الباحث أن الإثراء الوظيفي أسلوب فعال للإستثمار في طاقات المعلمين لتحقيق إنتاجية تعليمية أکبر وإنجاز أکبر في العملية التعليمية وذلک من خلال تحقيق الرضا الوظيفي أيضا, وکذلک الإستفادة من هذه الطاقات البشرية في کافة المستويات لنکشف عن إبداعات الموظفين ومواهبهم وقدراتهم الکامنة وبالتالي الفروق الفردية بين الموظفين في المؤسسة الواحدة ومن ثم التنافسية بينهما ليقدم کلاً منهما أفضل ما عنده ويستغل کل إمکانياته , فيصب ذلک في صالح العملية التعليمية وصالح المتلقين وبالتالي في صالح المؤسسة التعليمية .
وبدونها قد يدفع العاملين إلى العمل الروتيني الممل والرتابة المتکررة وجهد عقلي مرتفع، وليس هناک مساحة للتفکير والإبداع مع الحد من تفاعله الاجتماعي وإغفال حاجات الفرد لتنمية قدراته وتحقيق ذاته في العمل([4]).
وهکذا يمکن القول بأن الإثراء الوظيفي يسعي إلى تطوير مفهوم التوسع المهني، أي زيادة کل من نطاق الوظيفة وعمق الوظيفة من خلال الاهتمام ببناء عوامل الدافعية حيث ، وعوامل الوقاية لفردريک هيرزبرج (fredrick herzberg) تعد نظريته هي الأساس العلمي الذي يقوم عليه مدخل الإثراء الوظيفي في إعادة تصميم الوظائف([5]).
[1] ) صلاح سمار الجابري (2009)، المهارات القيادية اللازمة لإدارةالتغيير التنظيمي، رسالة ماجستير غير منشورة، کلية العلومالإدارية، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض,ص10.
[2] ) کفاح العابد (2012), دور الإدارة المدرسية في تفعيل عملية النمو المهني لمعلمي الإدارة المعلوماتية في محافظة جرش، رسالةدکتوراةغيرمنشورة، جامعة اليرموک، الأردن, ص22.
[3] ) ماهر أحمد (2003)، السلوک التنظيمي- مدخل بناء المهارات، الدار الجامعية للنشر، الاسکندرية, ص15.
[4])محمد بن معيض بن جويعد الوذيناني (2014)، اتجاهات المشرفيين التربويين ومديري المدارس نحو إستخدام الإثراء المهني في مجال القيادة المدرسية بمؤسسات التعليم العام السعودي، مجلة دراسات - العلوم التربوية، الجامعة الأردنية - عمادة البحث العلمي، مج41, ع2 ، ص 863.
[5] ) إيمان نصر المرسي (2005), تصميم وإثراء وظيفة المرشد التربوي بالمدرسة الثانوية العامة في جمهورية مصر العربية في ضوء التجديدات التربوية الحديثة, رسالة ماجستير غير منشورة, جامعة عين شمس, ص48.