تمثل الانفعالات وظائف هامة في حياة الفرد اليومية؛ حيث أنها تحفز الفرد على تحقيق أهدافه، وتعلمه أي المواقف يجب أن يتجنب وأيها يجب أن يقترب، کما تعد القدرة على فهم الانفعالات وتحديدها، والتمييز بينها، وضبطها والتعامل معها بإيجابية سمة مهمة من سمات الشخصية الإيجابية، فالأشخاص الذين يعانون من القصور في القدرة على تحديد المشاعر ووصفها والتعبير عنها، ويتجنبون المواقف الاجتماعية التي تتطلب منهم الحديث عن مشاعرهم الخاصة ووصفها للآخرين، وتحديد آرائهم، وأفکارهم، تم وصفهم بأنهم يعانون من اضطراب الألکسيثيميا Alexithymia، فإذا کان الشخص غير قادر على تفسير المثيرات العاطفية، فإن النمو الانفعالي الاجتماعي ربما يعاق وقد تظهر سلوکيات غير سوية کالسلوک المضاد للمجتمع، وسلوک التحدي، والانسحاب، واضطراب المزاج (ناصر جمعه ، أحمد ثابت ، 2014، 12).
ولا شک أن الإحساس بالمشاعر والتعرف عليها والتعبير عنها والتمييز بينها تعد خاصية إنسانية فهي ضرورة من ضرورات التواصل ببين الشخصي، وافتقاد هذه القدرة أو قصورها يعد عائقا من عوائق تحقيق الصحة النفسية فمن بديهيات الصحة النفسية التعبير عن الانفعالات التي تنتاب الفرد و مشارکة الآخرين في انفعالاتهم والتعرف عليها حيث يساعد ذلک على تنمية وتطوير العلاقات الشخصية والتي تعطي معنى وتوازن للحياة، أما الأفراد الذين يعانون من ضعف الإحساس بالمشاعر والتعرف عليها والتعبير عنها والتمييز بينها، ونقص في التخيل وندرة أحلام اليقظة بالإضافة إلى نمط التفکير الموجه خارجيا يطلق عليه الأفراد الإلکسيثميک (هشام الخولي، والزهراء عراقي، ومحمد أحمد، 2013، 118-119).
والفرد الذي يستطيع قراءة مشاعره والتعبير عنها للآخرين فرد متوافق انفعالياً واجتماعياً، ومحبوب وصريح ولا عجب أن کان أکثر حساسية من غيره من الأفراد الذين يفتقرون لهذه القدرة. ومن ثم فإن القدرة على تحديد وفهم المشاعر تسهم إلى حد کبير في تيسير عملية التفاعل الاجتماعي والتواصل اللفظي وغير اللفظي، وتبادل الأفکار مع الآخرين، وعلى النقيض من ذلک فإن الافتقار لهذه القدرة تحد إلى درجة کبيرة من التفاعل الاجتماعي، وفهم الانفعالات والمشاعر مما يجعل الفرد حاد الطبع مع الآخرين، واحتکاکه بالآخرين احتکاکاً حاداً لا يتضمن أي جانب من التعاطف ولکن محمل بالإيذاء، بل ويتعمد إيذاء الآخرين دون سبب واضح لهذا الإيذاء (محمد أحمد، 2011، 3).
ولقد نال مصطلح الألکسيثيميا اهتمام الباحثين والعاملين في المجال الإکلينيکي منذ أن قدمه نيميا وسيفنيوس (Nimiah & Swfneos, 1970) في أوائل السبعينات من القرن الماضي، ومع قلة الدراسات التي أجريت على هذا المتغير وما ارتبطت به من أعراض إکلينيکية، إلا أن ذلک أثار جدلاً واسعاً حول طبيعة هذا المتغير، من حيث هل هو حالة مرضية وجدانية أم خاصية عصابية؟ وهل هو اضطراب أولي أم ثانوي؟ وهل هو وراثي أم نمائي تطوري مکتسب؟ وهل هو أسلوب حياة أم قصور في أحد الوظائف المخية؟ وهل هو سمة أم حالة (أيمان عبد الله، 2003، 21).
وترى هيام شاهين (2013، 84) أن الألکسيثميا مفهوم نفسي يشير إلى وجود صعوبات في تحديد الشخص لمشاعره وتعبيه عنها ، ويعاني العديد من الأفراد في المجتمع من اضطرابات سيکوسوماتية وشکاوى طبية واضطرابات نفسية ترتبط بهذه السمة، فالأفراد المصابون بالألکسيثميا ربما يعانون انفعالياً أو نفسياً أو جسدياً کنتيجة لهذا العجز المعرفي ، کما أن جودة الحياة بما تتضمنه من سعادة شخصية وعلاقات بينشخصية ربما تتأثر سلبيا نتيجة الألکسيثميا ، علاوة على أن المجتمع يتحمل نفقات عالية بشکل دال نتيجة إهمال العمل وانخفاض الإنتاجية وتزايد المتطلبات المفروضة على مراکز الرعاية الصحية وموارد الدولة نتيجة الاضطرابات السيکوسوماتية والحالات الطبية والاضطرابات النفسية التي تصاحب الألکسيثميا.
وبناء على ما تقدم وانطلاقًا من التوصيات والأدبيات السابقة، ونظرًا لأهمية هذا المجال فقد وجدت الباحثة أنه من الضروري إجراء دراسة للتعرف على فعالية برنامج تدريبي في خفض الألکسيثميا لدى طلاب المرحلة الإعدادية.