في العصر الراهن بات من الحيوي إعداد المتعلمين وتسليحهم بتعلم عال المستوى يمکنهم من التعاطي مع متطلبات العصر بفاعلية. وقد ساهم ذلک في زيادة مستوى تعقيد عملية التعلم والتي باتت تتأثر بالعديد من المتغيرات والعوامل. ومن بين أهم العوامل التي تؤثر على التعلم ما يعرف بالعوامل الوجدانية والتي لها تأثير له من الأهمية ما يضاهي أهمية المتغيرات والعوامل المعرفية والعقلية.
ولعل من بين أهم العوامل التي زاد الاهتمام بدراستها في الفترة الأخيرة الاندماج الدراسي للطلاب Student Engagement. ويعد الاندماج الدراسي النشط بمثابة أحد التحديات الأکثر أهمية لبيئات التعلم الناجحة (Trogden, 2015). ويُعرف الاندماج الدراسي على أنه مدى الجهد السلوکي والمعرفي والانفعالي الذي يبذله المتعلم للاندماج في المهمات التعليمية المتنوعة لتحقيق الأهداف المحددة مسبقاً (عبد السلام عبد الرحمن، ورافع الزغلول، 2018، ص185).
والاندماج الدراسي للطالبات مفهوم يشمل سلوکيات تقوم بها الطالبة مثل المشارکة في الأنشطة الصفية واللاصفية التي تخدم التعليم، وکذلک الالتزام، والدافعية والمثابرة، والحماس لبذل الجهد، والإحساس بالانتماء والعلاقة الطيبة مع المعلمين والأقران، وأيضاً توظيف استراتيجيات معرفية وما وراء معرفية أثناء التعلم والدراسة (صفاء عفيفي، 2016، ص98).
ومن ناحية أخرى تعد فاعلية الذات الأکاديمية من المتغيرات النفسية الهامة التي توجه سلوک الفرد، وتسهم في تحقيق أهدافه الشخصية، فالأحکام والمعتقدات التي يمتلکها الفرد حول قدراته وإمکاناته لها دور هام في تحقيق النجاح، مما ساهم في زيادة القدرة على الإنجاز ونجاح الأداء بدرجة کبيرة (رائدة أبو عبيد، 2014، ص366).
وفاعلية الذات الأکاديمية تهتم بمعتقدات الفرد حول قدرته على النجاح فيما يقوم به من أعمال يُکلف بها، ومستوى الدافعية وکفاءة وجودة العمل المنوط به، وأن يضع لنفسه أهدافاً بعيدة المدى، ويتطلع إلى المستقبل بتفاؤل، ويبذل الجهد في مواجهة الفشل، والتغلب على الضغوط النفسية، والتخفيف من حدة القلق، وزيادة ثقة الفرد بنفسه وقدراته (مخلد العبادي، 2012، ص7).
ونجد أنالطلاب ذوي فاعلية الذات الأکاديمية العالية يشعرون بالثقة في قدرتهم على حل المشکلات ومواجهة المواقف الأکاديمية، وينسبون نجاحاتهم إلى جهودهم الخاصة وتخطيطهم الناجح، کما يعتقدون أن قدراتهم سوف تزداد کلما تعلموا أکثر، وأن الأخطاء هي جزء من عملية التعلم، فلکي نتعلم لابد أن نخطئ، فنحن نتعلم من أخطائنا، وعلى النقيض فإن الطلاب ذوو فاعلية الذات الأکاديمية المنخفضة يشکون في قدراتهم، ويشعرون أن الأشياء أصعب مما هي عليه بالفعل مما يولد لديهم شعورا بالإجهاد والکآبة والنظرة الضيقة لکيفية حل المشکلات، ودائماً ما يميلون إلى العمل الجماعي في حالة المهام الصعبة حتى لا يکشف النقص الذي يعانون منه، فهم يعتمدون على الآخرين في تحقيق نجاحاتهم (وفاء الدسوقي، 2015، ص146).
وتؤثر فاعلية الذات الأکاديمية على سلوکيات هامة في التعليم والتي تؤدى بدورها إلى الدافعية للإنجاز والتحصيل. وتتأثر بالعديد من الاستراتيجيات التدريسية وبخاصة الاستراتيجيات ذات الطابع الاجتماعي کاستراتيجيات التعلم التعاوني ومجموعات المناقشات والمناظرة ومجموعات العمل في فرق تشارکية (أماني الحصان، 2013، ص659).
ومع الانتشار الکبير لتقنيات المعلومات والاتصالات وتوظيفها في العملية التعليمية برزت العديد من النماذج المستندة إلى أسس تربوية والتي تهدف لتحسين نواتج العملية التعليمية المختلفة. وفي هذا السياق, ظهر ما يُعرف بالتعلم المدمج Blended Learning؛ وهو تعلم لا يلغى التعلم الإلکتروني ولا التعلم التقليدي بل أنهما يتشارکان معاً للحصول على إنتاجية أفضل بأقل تکلفة. فهو نمط تدريسي يزاوج بين توظيف تکنولوجيا الحاسوب والإنترنت على وجه الخصوص من جانب والأساليب الاعتيادية التي ألفها المعلمون من جانب آخر (على الشعيلي، ومحمد عمار، 2016، ص332).
ويمثل التعلم المدمج أحد أساليب توظيف تلک المستحدثات التکنولوجية، حيث يقوم على الخلط والدمج بين الطريقة التقليدية في التعليم واستخدام المستحدثات التکنولوجية في عملية التعليم، وقد بدأ الاهتمام بإدخال التعليم المدمج في الأنظمة التعليمية، على اعتبار انه مدخل إلى التعلم الإلکتروني، ونمطاً تعلمياً فريداً مکملاً لعملية التعليم، يدعو إلى دمج الوسائل التقنية الحديثة وتفاعلها مع الأساليب التعليمية الاعتيادية، لتقديم نوع جديد من التعليم، يتناسب مع خصائص المتعلمين واحتياجاتهم، بأقل التکاليف، وبصورة تمکن القائمين على العملية التعليمية من ضبطها وقياسها وتقييم أداء الطلاب. وقد تعددت أشکاله، واختلفت مسمياته، من التعلم الخليط إلى التعلم المزيج، أو التعلم الهجين، إلى التعلم المؤلف، إلى التعلم المدمج أو المتمازج، ويلاحظ أن تلک المسميات تدور حول معنى واحد (حنان الجمال، وسعاد رخا، 2015، ص150-151).
ويمکن القول بأن التعلم المدمج هو مدخلاً يزاوج بين توظيف تکنولوجيا الحاسوب على وجه الخصوص والأساليب الاعتيادية وجهاً لوجه، ففي هذا النوع من التعلم يتمکن المتعلم من إعادة ما شُرح له في اللقاء الصفي والتأمل في تعلمه الذاتي وقد يحقق لدى المتعلم نقلة نوعية في طبيعة المخرجات التي يمکن أن يحققها (ترکي المساعيد، 2016، ص11).
وبالنظر إلى المزايا التي يوفرها التعلم الالکتروني بشکل عام، والتعلم المدمج بشکل خاص، يُلاحظ أنها تسهم في تطوير العملية التعليمية، وتوفير بيئة تعليمية إيجابية من شأنها أن تساعد في تنمية قدرات ومهارات الطلبة، مما يعزز من فرص التعلم بشکل يساعد في زيادة مستوى تحصيل الطلبة العلمي في مختلف المجالات (ابتسام العازمي، 2016، ص10).
ويمکن القول بأن التعلم المدمج جاء للتخلص من المظاهر السلبية للتعليم التقليدي الذي يعتمد على إلقاء المعلومات من قبل المعلم، وفي نفس الوقت المساعدة في التخلص من سلبيات التعلم الالکتروني الذي يسبب القلق عند المتعلم عند وجود خلل في تصميم البرنامج، إضافة إلى أنه يحتاج إلى جهد مکثف في تدريب، وتأهيل المعلمين والطلاب، ويسبب الانطوائية عند المتعلم، فجاء التعلم المدمج للإفادة من إيجابيات التعلم الإلکتروني، والتعليم التقليدي معاً بحيث يساعد المتعلم على التفکير، والإبداع من خلال مشارکة فعالة بين المعلم والمتعلم، وبين وسائط التقنية المستخدمة في إيصال المعلومات لتساعد في خلق أجواء من التفاعل، والتفکير النقدي (أميرة الزيدانيين، 2011، ص13).
وللتعليم المدمج مکونان أولهما الجزء التقليدي: وفيه يتم تعلم التلاميذ بناء على التفاعل بينهم وجهًا لوجه وتحت إشراف وتوجيه المعلم، والثاني: الجزء الإلکتروني وهو الجزء الخاص باستخدام التعليم الإلکتروني، أو الدمج بين نوعين أو أکثر من أنواعه خاصة نوع التعليم الإلکتروني المعتمد على الکمبيوتر، ووسائطه المتعددة والفائقة التداخل والتعليم الإلکتروني المعتمد على الإنترنت (أحمد حسين، 2015، ص154).
ومنذ ظهور مفهوم التعلم المدمج ظهرت العديد من النماذج التطبيقية التي من خلالها يمکن تطبيقه بفاعلية ولعل من بين أبرز وأحدث تلک النماذج التعلم المدمج أو المعکوسة أو قلب النظام الصفي المعتاد flipped classroomوهو نموذج معاصر لتوظيف التکنولوجيا التعليمية من خلال فکرة التعلم المدمج. وقد ظهر هذا النموذج للمرة الأولى بشکل رسمي عام 2012 وهو يعتمد على قلب أو عکس النظام الدراسي المعتادة بحيث يستخدم الطلاب تقنيات الإنترنت أو الاسطوانات المدمجة لمشاهدة المحاضرات في المنزل (والتي تکون مسجلة على شکل مقطع فيديو) ويتم تخصيص وقت الحصة لأنشطة حل مشکلات وتعلم تعاوني وأنشطة متقدمة, بما يعني قلب الوضع التعليمي المعتاد بدلاً من أن يعمل الطلاب الواجب في البيت ويشاهدوا محاضرة في الفصل, يمارسوا الواجب بطريقة متطورة في الفصل ويشاهدوا المحاضرات بالإنترنت من المنزل.
وعليه فإن المرحلة الثانوية هي من أهم المراحل التي تحتاج إلى مراعاة خصائص کل طالب، وينبغي لکل معلم معرفة کيفية التعامل مع هذه الفئة العمرية التي يمر بها الطلاب، ويجب على المعلم مراعاة بعض النقاط الهامة عند التعامل مع الطلاب، أن يوجههم للطرق الصحيحة للبحث عن المعلومات ويشجعهم على ذلک ويتفهم طبيعة تفکير طلابه ليسهل عليهم الاتصال بهم، ويکون صديقاً جيداً لطلابه ويحاول التقرب منهم ويوجههم للأفضل، ويبتعد عن أساليب السخرية أو النقد أو العقاب لطلابه ويتفهم المرحلة التي يمرون بها، ويستثمر المناقشة الصفية للتعرف على مستوى تفکير طلابه وخبراتهم السابقة ويعمل على تطويرها وزرع الثقة فيهم، وکذلک يحرص على مراعاة الفروق الفردية بين الطلاب في عملية الإعداد والتخطيط والتنفيذ ويحرص على تهيئة استعداد طلابه للتعلم قبل البدء بالدرس (ماجد الحارثي، 2014، ص18-19).
ويتطلب ذلک توظيف المداخل والاستراتيجيات التعليمية الحديثة والمتطورة وقائمة على مفردات ولغة العصر وتوظف أحدث ما في تقنيات المعلومات والاتصالات المعاصرة والتي يعتمد عليها هؤلاء الطلاب في حياتهم اليومية وتستند إلى التطبيقات التربوية ولعل من أبرزها على الإطلاق مداخل التعلم المدمج. .