تؤدي وسائل الإعلام دوراً مهماً في کافة المجالات والميادين السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتربوية ، ويتزايد هذا الدور أهمية في الدول النامية التي تحتاج إلى استخدام کافة الإمکانيات المتاحة لتحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية لديها.
ويمثل مجال التربية والتعليم بمستوياته المختلفة أحد المجالات الرئيسة التي يمکن لهذه الوسائل أن تؤدي فيها دوراً واضحاً ومنتجاً بحيث يتکامل دور هذه الوسائل مع الأجهزة التعليمية في المجتمعات النامية، حيث تزداد الحاجة إلى کافة الجهود والمساعدات التي يمکن أن تؤدي إلى تدعيم نظم التربية والتعليم على اختلاف مستوياتها.
إن التربيـــة شــــــأن مجتمعي,لا شأن أفراد ولا تتحـــکم فيها هيئات أو مؤسســــات بعينها منفردة بل يجب أن تشترک وتؤثر کل فئات المجتمع ومؤسساته في صنع قراراتها واتخاذها([1]).
فکل مؤسسات المجتمع وأجهزته تعمل لتنمية وتطوير المؤسسة التربوية باعتبارها المؤسسة التي يعتمد عليها في التنمية الشاملة للمجتمعات , فالتربية في المجتمعات تؤدي عن طريق الأفراد (الآباء والأمهات) والمؤسسات (التعليمية والإعلامية والدينية والاجتماعية..) المختلفة ؛ لذلک فإن التربية من هذا المنظور تشبه مظلة کبيرة, يعمل في ظلها ومن أجلها مؤسسات وأجهزة متنوعة([2]).
والإعلام من أهم الوسائل المؤثرة في التربية , فالإعلام ووسائله (المسموعة-والمرئية-والمقروءة) يؤدي أدواراً أساسية داخل المجتمعات التي تستهدف إحداث تحولات اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية أو تربوية أو ثقافية ، في ضوء ما يحدث في العالم من تحولات مختلفة , إذ يعتمد الأفراد على وسائل الإعلام في متابعة هذه التحولات وفي تطورها وفي الحصول على معلومات حولها ، ويظهر تأثيرها في بناء تصورات الأفراد من المراحل المبکرة مما يبرز أهمية الدور الذي تؤديه في ذلک([3]).
إن الإعلام بمختلف مؤثراته وأنواعه من أجهزة الاتصال الجماهيري ، وقوته الإقناعية، وتأثيره على الرأي العام ، وتکوينه وتداخل وظائفه مع مؤسسات المجتمع وفي مقدمتها المؤسسات التعليمية التربوية ، أصبح من الوسائل المؤثرة في العملية التعليمية والتربوية.
لذلک فإن دور الإعلام لم يعد مجرد وسيلة لنقل الأخبار والمعلومات ، بل صار أداة فاعلة ومؤثرة يمکن توجيهها إلى الداخل والخارج في آن واحد ، لتعبئة الرأي العام وتکوينه وشحن الجماهير , وتشکيل فکرهم ، وتغيير قناعاتهم.
کما أن الإعلام أصبح يشبع رغبة واحتياج الإنسان دائما في معرفة طريقة يراقب بها الظروف المحيطة به ليحيطه علماً بالأخطار المحدقة به أو الفرص المتاحة له عن طريق أنها تقوم بنشر الآراء والحقائق وتساعد الجماعة على اتخاذ القرارات([4])، فوسائل الاتصال إذن أداة رقابية وتوجيهية مؤثرة في السياسات والقرارات السياسية استناداً إلى المقولة الديمقراطية الشهيرة "إن الصحافة هي السلطة الرابعة في الدولة" ([5]).
والتعليم کنظام يؤدي دوراً تربوياً يحقق من خلاله الکثير من الأهداف المجتمعية ويتعرض للکثير من قضايا المجتمع ومشکلاته , ساعياً لتحقيق أکبر قدر من المواءمة بين ما يطرحه لها من حلول وبين ما يستطيع المجتمع تقبله وتنفيذه , وتقوم التربية بوظائف أساسية منها([6]):
- توفير معلومات عن الظروف المحيطة بنا .
- نقل التراث الثقافي من جيل إلى جيل .
- المساعدة في تنشئة الجيل الجديد من الأطفال أو الوافدين الجدد على المجتمع.
ولما کانت القضايا المتعلقة بالتعليم على رأس القضايا التي تشغل بال الأفراد داخل المجتمع , وتشغل حيزاً کبيراً من اهتماماتهم , لکونها تتعلق بهم کونهم أولياء الأمور , أو من العاملين في الميدان التعليمي , أو تتعلق بمستقبل أبنائهم التعليمي, وهي القضايا التي تتطلب تکوين رأي عام حولها , فإن الصحافة تستطيع القيام بدور فعال في ذلک([7]).
والصحافة هي الوسيلة المقروءة لوسائل الإعلام , وهي لسان حال أفراد المجتمع التي يسهل عليهم حملها بين أيديهم في مختلف أحوالهم أصبح بکل طوائفه ومؤسساته يعتمد عليها في نقل الأخبار إلى بؤرته الرئيسة , کي يسهموا بدور واضح في کل ما يهم المجتمع من أمور وقضايا , وذلک من بعد معرفتهم الصحيحة بها, وإلمامهم بکل جوانبها خاصة تلک القضايا التي ترتبط بحياتهم أو تتصل بمستقبلهم وبمستقبل أبنائهم([8]).
والصحافة لا تقتصر رسالتها على ما تقدمه من أخبار حول قضية معينة , بل تتعداه لوظائف اجتماعية أخرى , کالأخبار والإعلام , والشرح , والتفسير , والإقناع, والإعلان , والتسويق ؛ لذا أصبحت الصحافة مسئولة بشکل کبير عن غيرها من وسائل الإعلام في تکوين الرأي العام والتأثير عليه ؛ لأنها تهتم بالخوض في القضايا السياسية والاجتماعية بإسهاب وعرض وجهات النظر المختلفة , فهي المرآة الصافية التي تعکس آمال الشعب وآلامه وأحلامه وتطلعاته([9]).
وتشکل الصحافة أداة من أدوات التربية في الوقت الحاضر , وذلک لأن ما تقدمه الصحافة من معلومات وأفکار وخبرات وقيم وقضايا تؤثر في تشکيل وعي واتجاهات الأفراد في المجتمع , ونظراً لتعقد الحياة المعاصرة أصبحت الصحافة من أهم وسائل الإعلام التربوي التي تستطيع أن تسهم في تقديم معلومات صحيحة وصادقة في مجال التربية , ويمکن من خلال مساعدة الأفراد في رسم خططهم التربوية بما يتفق مع أهدافهم.
وتعد الصحافة أکثر الوسائل الإعلامية تناولاً للقضايا الاجتماعية والتربوية والوسيلة الأکثر استمرارية , وذات تأثير توجيهي في أغلب الأحيان لأفکار أفراد المجتمع مما يدفعهم إلى تقبل فکرة أو قضية ونبذ أخرى.
ونظراً لتعقد الحياة المعاصرة وظهور العديد من القضايا التربوية التي تحتاج إلى تکوين رأي عام واع نحوها أصبحت الصحافة مطالبة بأن تأخذ دوراً أکثر فاعلية , وأن تتحمل قدراً أکبر من المسؤولية في مساعدة المواطنين وتربيتهم وإکسابهم الفهم والوعي الصحيح نحو القضايا التربوية
وتهتم الصحافة بجميع قضايا المجتمع سواء کانت سياسية , أم اجتماعية, أم تربوية, أم ثقافية , کما تهتم بالقضايا التربوية , وتتابعها بشکل دائم ومستمر, وتضعها من الأولويات ؛ لأن القضايا التربوية , تمس الأمة بأسرها , کما تمس کل أسرة وفرد([10]).
وتعد قضايا التعليم من أهم القضايا التي هي في حاجة إلى الإعلام من أجل توعية أفراد المجتمع بها وذلک لأن التعليم قضية کل بيت , وهو الذي يکاد يحدد مصير کل فرد , وإن لم يکن مصير المجتمع کله([11]).
والنظام التربوي هو أحد أنظمة المجتمع الرئيسة , ومحط اهتمام کل أفراد المجتمع وتطلعاتهم , وأحد أهم القضايا التي تسلط الصحف اليومية أضواءها عليها وتشارک الصحافة مؤسسات المجتمع المدني في مراقبة المؤسسة التربوية , وتحملها مسئولية إخفاق العملية التعليمية والتربوية في القيام بدورها المأمول.
ولأن التعليم هو أساس المعرفة , والمعرفة أساس القوة لابد من السعى جاهدين لتطوير التعليم في مصر وإعادة النظر في النظام التعليمي ؛ لأن المجتمع يريد تعليماً يساعده على مواجهة أزمات عصر العولمة وثورته الرئيسة , وثورة التکتلات الإستراتيجية وثورة الديمقراطية , وذلک عن طريق الانطلاق من فلسفة اجتماعية وتربوية واضحة وأهداف محددة ومداخل ومنهجيات شاملة ومتکاملة , تعمل حسابات للوجود والحاجة إلى جانب الکفاءة والفاعلية والجدوى , ومن هنا فإنه من الضروري إعادة النظر في النظام التعليمي ابتداء بالنظرية ومروراً بالتطبيق وانتهاء بالتطوير والمتابعة , أي أن المجتمع بحاجة إلى هيکلة ومنهجية جديدتين في التعليم([12]).
وهناک بعض القضايا التربوية التي مازالت تعوق مسيرة التعليم باعتباره الطريق الرئيس لتحقيق أهداف التنمية الشاملة للفرد والمجتمع المصري المعاصر، ومن هذه القضايا : قضية إعداد المعلمين وتدريبهم , وقضية ضعف الاستيعاب والتسرب , وقضية الدروس الخصوصية, وقضية الأمية , وقضية البطالة , وقضايا التعليم الجامعي, وقضية التعليم الخاص , والقضايا المرتبطة بسلوک التلاميذ کقضية الغش في الامتحانات , وقضية العنف المدرسي , وقضية تعاطي المخدرات , والصحافة يمکن أن تلعب دوراً في تحقيق أهداف التربية في ضوء اهتمامها بقضايا التربية , حيث تستطيع الصحافة أن تقوم بدور فعال في تنوير الجماهير من أجل فهم واضح للقضايا التربوية وبذلک تکون قد ساعدت التربية في تحقيق غايتها.
ومن العرض السابق يتضح أهمية دور الصحافة في تناول القضايا التربوية التي تؤرق المجتمع ويعاني منها, وتحاول کل المؤسسات التربوية بمعالجتها فعلى سبيل المثال الجامعات تساهم من خلال عقد المؤتمرات والندوات والاستفادة من الباحثين والمفکرين لإيجاد حلول مناسبة لها , والصحافة تتعرض للقضايا التربوية وتعمل على إيجاد حل مناسب لهذه القضايا بما لها من تأثير في تعديل سلوک الأفراد فهما يؤثران ويتأثران مباشرة بکل ما يواجه المجتمع من مشکلات وقضايا وبما أن الدراسة الحالية سوف تتناول بعض قضايا التعليم من خلال الصحافة، سيحاول الباحث التعرف على أهم القضايا التعليمية التي تناولتها الصحافة المصرية القومية والحزبية والمستقلة ؛ حيث تعد في هذا الإطار محاولة للوصول إلى تحديد واضح لحجم ونوع قضايا التعليم في اهتمامات الصحافة المصرية وموقعها بالنسبة لاهتمامات المجتمع ، وهذا هو موضوع الدراسة الحالية، وسيعرض الباحثة بعض "الدراسات السابقة" التي تناولت موضوعات مماثلة لهذا الموضوع أو بعض جوانبه.
(1) عبد الله إسماعيل الکندي : القضايا التربوية في الصحافة الکويتية وتأثيرها علي صنع القرار التربوي-دراسة تحليلية للفترة من 1992-2007م , رسالة دکتوراه – غير منشورة- جامعة القاهرة ، معهد الدراسات التربوية,2011م,ص 2
(2) حسن بن عايل أحمد يحي: رؤى حول التربية والإعلام وأدوار المناهج لتنمية التفکير في مضامين الإعلام لتحقيق التربية الإعلامية , ورقة عمل مقدمه للمؤتمر الدولي الأول للتربية الإعلامية بالفترة من14-17/2/1428هـ، ضمن محور المناهج الدراسية وعلاقتها بالتربية الإعلامية ،2007م، ص23.
(3) مجدي صلاح طه المهدي : الصحافة وقضايا التعليم , دراسة تحليلية مقارنة لموقف الاتجاهين القومي والمعارض في الصحافة من قضايا التعليم ، دار الجامعة الجديدة ، مصر ، الإسکندرية ،2007م،ص7.
(1) جيهان أحمد رشتي : الأسس العلمية لنظريات الإعلام , دار الفکر العربي ,1975م,ص232.
(2) سعد آل سعود : الاتصال والعلوم السياسية , دار القنوات , السعودية, 1427ه,ص23.
(3) مصطفى رجب: الإعلام التربوي في مصر واقعه ومشکلاته , القاهرة , الهيئة المصرية العامة للکتاب, 1989م ,ص233.
(4) مجدي صلاح طه المهدي : مرجع سابق , ص8.
(1)مجدي صلاح طه المهدي : مرجع سابق , ص10.
(2) عبد الله إسماعيل الکندي: مرجع سابق , ص 5.
(3) المرجع السابق: ص5.
(1) تودري مرقص حنا: موقف الإعلام من بعض قضايا التعليم , بحوث المؤتمر الثانوي التربوي الرابع عشر, رابطة التربية الحديثة , جامعة عين شمس , مصر , يوليو 1994م , ص 45.
(2) علي أحمد مدکور : الشجرة التعليمية رؤية متکاملة للمنظومة التربوية , القاهرة , دار الفکر العربي, 2000م, ص13.