تحظى مرحلة التعليم الثانوى العام بأهمية کبيرة سواء فى الدول المتقدمة أو النامية، وذلک لأنها تقوم بإعداد الطلاب للمرحلة الجامعية من جهة ومن جهة أخرى تقوم بإعداد المواطن للحياة العامة ، ومن ثم فإن دور المدرسة الثانوية ممتد لا يقف تأثيره بانتهاء الطالب من هذه المرحلة ونجاحه فيها وانما هو بداية لمرحلة أعمق و أشمل هى المرحلة الجامعية التى يجب ان يکون الطالب مستعدا لها ومؤهلا من المدرسة الثانوية.
وتعتبر الإدارة المدرسية الناجحة الرکيزَة الأساسية فى العملية التعلَيمية ، فهى التى تجدد المعالم وترسم الطرق وتُيسر السُبيل أمام العاملين فى الميدان للوصول إلى هدف مشترک فى زمن محدد، کما أنها تهدف إلى تحسين العملية التعليمية والارتقاء بمستوى الأداء عن طريق تبصير العاملين فى المدرسة وتوعيتهم بمسؤوليتهم وتوجيههم التوجيه التربوي السليم (Zhang and Faerman 2007).
واذا کانت العملية الإدارية هى عملية تنسيق وتوجيه الأفراد والجماعات نحو تحقيق أهداف معينة –فردية أو جماعية – فإن القيادة الإدارية الناجحة هى التى تستطيع أن تبعث الحياة فى کافة أنحاء التنظيم ،وهى التى تستطيع أن تحول ان تحول الهياکل الجامدة الى تفاعلات ديناميکية ولهذا حظى موضوع القيادة الإدارية بإهتمام متميز ، وتهتم کثير من المنظمات بتنمية القيادة وتخطيطها ببرامج شاملة لإعداد وتدريب القادة فى مختلف مجالات النشاط إيمانا منها بأن القادة هم الرکيزة الأساسية فى أى برنامج فى التنمية الإدارية ، کما ان طريقة تعامل القيادات الإدارية مع أفراد التنظيم تؤثر على أدائهم کماً ونوعاً، واتجاهاتهم النفسية ، ورضاهم عن العمل، ومن ثم على کفاءة العمل ککل (Goddard et al., 2004).
ومن ثم يعد مدير المدرسة الثانوية أهم عضو فى الإدارة المدرسية، فبدون إدارته لا يمکن إحراز أى تقدم فى مجال العمل المدرسي مهما اتصفت الهيئة العاملة فى المدرسة ببعد النظر وبالمهارة فى تصريف الأمور ، حيث أن المدير هو الذى يمسک بزمام الأمور بيديه، فهو المثل الذى يحتذى به الأخرَون، وهو الذى ينشر روح السلوک الديمقراطي فى شتى أنحاء المدرسة أو يجعل من الاستبداد وسيلة يخضع بها کافة جماعات المدرسة لسلطاته (Ancona and Backmann 2010)
والمتتبع للحراک التربوى يدرک أن السنوات الاخيرة شهدت تطوراً فى استخدام الأساليب الإدارية الحديثة بهدف ترشيد الإدارة عند قيامها بوظائفها المتجددة فى التخطيط ورسم السياسات واتخاذ القرارات والرقابة وتقييم الأداء، الأمر الذى يتطلب ضرورة إلمام الإداريين بالعمل الإداري لکى يتسنى لهم الاستفادة منها فى معالجة المشکلات الإدارية وحلها من خلال اتجاهات عالمية ومنهج علمى متکامل ومنظم (Bandura, 1977:188 ).
ويعد موضوع القيادة من أبرز الموضوعات إثارة فى علم الإدارة ، فقد أصبحت القيادة الإدارية أحد أهم المعايير التى تحدد نجاح أية مؤسسة، وتعتبر جوهر العمل الإدارى، فهى تمثل عاملاً مهما فى نجاح أية مؤسسة، و تمثل عاملاً مهما فى نجاح الادارة النعليمية أو فشلها لما لها من تأثير مباشرعلى العملية التعليمية. وذهب کثير من علماء الإدارة الى القول بأن القيادة هى جوهر العملية التعليمية الإدارية وقلبها النابض ، وهى مفتاح الإدارة ، وأن أهميتها ودورها ينبعان من کونها تقوم بدور أساسِ ويؤثر فى عناصر العملية الإدارية تجعل الإدارة أکثر ديناميکية وفعالية وتعمل کأداة محرکة لتحقيق أهدافها (Abu Nayeem , Mohammed 2011).
ولذلک ظهرت الحاجة إلى توظيف المداخل القيادية واتجاهاتها الحديثة، ولعل أحدثها وأهمها مدخل القيادة الموزعة ، والذى ينطوى على قدرکبير من الثقة المتبادلة والدعم والإستقصاء والتعاون بين العاملين فى المدرسة والذى تعمل امدرسه على تحقيقهُ (Harris 2002:40).
وعلى عکسِ القيادة التقليدية القائمة على إدارة الفرد لنظم وهياکل هرمية ، تتميز القيادة الموزعة بأنها صورة للقيادة الجماعية يکتسب فيها المعلمون الخبرة من خلال العمل معاً ، وتوسع القيادة الموزعة حدود القيادة بصورة کبيرة لأنها تقوم على مستويات مرتفعة من مشارکة المعلمين فى اتخاذ القرار، وانها تتضمن مجموعة کبيرة من الخبرات والمهارات والمدخلات فى عملية وممارسة القيادة(Arrowsmith 2007 :15).
ولقد زاد الإهتمام بالقيادة الموزعة فى السنوات الماضية وبشکل متزايد لان مديرى المدارس لايعملون بشکل منفرد لقيادة المدارس لتحقيق النجاح فى مؤسسة تسعى للتعليم والتعُلم کالمدرسة، ولذلک بدأ تطور نظرية إدارية تشتمل على ممارسة قيادية قابلة للتحقيق والإستدامة بشکل أکبر، والتى تتطلب توزيع واسع للمسؤليات القيادية الأساسية على نطاق المؤسسة ککل (Bandura, 2000 :45).
والقيادة الموزعة تعنى أن يمارس المعلمون وجميع أعضاء المجتمع المدرسى بمختلف مستوياتهم ورتبهم عددا من الأدوار القيادية الرسمية وغير الرسمية ، وهى تعتمد على مشارکة المعلم فى القيادة والإنتقال من الهرمية الفوقية الى القيادية الجماعية والأفقية، بحيث تتوزع الصلاحيات فى ظل شرط المساءلة الدائمة (Gronn, 2002:145).
وتعد القيادة الموزعة مدخلاً إجرائيا يقوم على منح مديرى المدارس عدداً من الأدوار القيادية الرسمية وغير الرسمية للمعلمين، وذلک من خلال المشارکة فى صنع القرار واتخاذه، والتعاون والمشارکة فى تحقيق أهداف المدرسة وتحسين ادائها وتطويرها (Gronn, 2000:139 ).
کما اکدت دراسات (Grant, 2006:112) ، و ( (Green, Alex 2010 :85) أن الأنماط القيادية السابقة أنماط تقليدية يؤخذ عليها العديد من المأخذ ،الأمر الذى أجبر المؤسسات التربوية على إحداث تغيرات جذرية فى أساليبها الإدارية التقليدية، فجاءت القيادة الموزعة کمدخل جديد من مداخل القيادة الحديثة، والذى ينطوى على قدر کبير من الثقة المتبادلة والدعم والإستقصاء والتعاون بين العاملين فى المدرسة، وأن ممارسة مدخل القيادة الموزعة فى المدرسة من شأنه أن يدعم القدرة على التغيير والتطوير والتحسين الذى ترغب المدرسة فى تحقيقه.
کما أکدت دراسة (Fives, 2003 :52) على ضرورة العمل على بناء ثقافة جديدة تعتمد على تمکين العاملين ومشارکتهم فى عميات صنع القرار بفاعلية وهو الأمر الذى يسهم فى حل مشکلات العمل وتحقيق الأداء الفعال من خلال المشارکة الفاعلة لفريق العمل وهو ما يتحقق بتطبيق نظرية القيادة الموزعة. کما أکدت على ضرورة تبنى نظرية القيادة الموزعة من جانب المسئولين على التعليم والعمل على نشر هذه الممارسات ونقل تجارب التطبيق المتميزة بين هذه المدارس، ويجب ان تقدم الإدارات التعليمية الدعم اللازم للمدارس المختلفة لتحقيق التطبيق الناجح لممارسات القيادة الموزعة وهو الأمر الذى يحقق المنافع القصوى للطلاب والنتائج التعليمية والمعلمين ذاتهم وهو ما يسهم فى تحقيق التطوير والتحسين فى المنظمات النعليمية.
وأشارت دراسة (الزکى، بور حماد،2012) إلى عدد من المتطلبات الضرورية لتطبيق القيادة الموزعة فى المدارس المصرية والتى تتمثل فى تعديل بنية الهياکل المدرسية، وتعزيز الثقافة الإيجابية داخل المدرسة، وتدعيم قدرة أعضاء المجتمع المدرسى على إمتلاک مهارات القيادة الموزعة (Frost and Durrant 2003 :122).
ونظراً لأن القيادة تعتبر من أهم العوامل التى تؤثر فى حياة المنظمة التعليمية واستدامة جهود التحسين والتطوير فيها، ومواجهة تحديات التعليم فهى شيئا ضروريا لنجاح المدارس فى تحقيق أهدافها وعليه تأتى هذه الدراسة بغرض تطوير أداء مديرى المدارس الثانوية بدولة الکويت فى ضوء القيادة الموزعة بهدف تحسين قدراتهم على تحقيق أهداف العملية التعليمية من خلال الترابط والتکامل بين کافة عناصرها.