تسعى الدول عادةً مع التحولات التاريخية الکبرى إلى مراجعة أوضاعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، والترکيز خاصةً على إصلاح الهياکل التنظيمية داخل أجهزتها الإدارية عبر مشاريع من شأنها الارتقاء بمستوى أداء العاملين عامةً کإدخال نظم الإدارة الحديثة وآلياتها ، وإعداد التعديلات التشريعية للوظائف العامة ، وتحسين مناخ العمل ومصالح الموظفين عبر إصلاح هياکل الأجور ، ونظم التحفيز أو مشاريع التنمية البشرية المتمثلة في برامج التدريب والتأهيل المهني .
وقد سعت دول العالم مع التحولات العالمية التي يشهدها القرن الحادي والعشرون إلى استشراف جاد لمستقبل هذا القرن ، وما يُسمى " صناعة المدراء " ، حيث تنبئ الإرهاصات الملموسة على المستوى العالمي بأن " صناعة المدراء " أو القيادات الإدارية هي سمة العصر الحالي ، وهى الشغل الشاغل لروَّاد المؤسسات التي تسعى إلى حجز مکانتها في صفـوف المستقبـل . فکثيرًا ما يکـون إخفـاق المنظمـات راجعًا لافتقـاد قيادات ذات کفاءة عالية وذلک لأن النمط القيادي يؤثِّر تأثيرًا جوهريًا على أداء الأفراد ورضاهم (السيسى ، شعبان ، 2003 ، ص31 ) .
وقد شُغِلَ کثيرُ من الباحثين بدراسـة ظاهـرة القيادة ، سواء من حيث الأساليب القيادية ، وعلاقة ذلک ببعض المتغيرات ، أو من حيث وضع نظريات أو مداخل لتفسير ظاهرة القيادة ، والوصول إلى النموذج الفعَّال لها نظرًا للأهمية التي تقوم عليها القيادة والتي تفرض على شاغلها مسئولية عظيمة ؛ لإنجاح أهداف المؤسسة وأهداف العاملين فيها ، من خلال قدرة القائد الإداري على إثارة اهتمام مرؤوسيه ، ودفعهم إلى الحرص على تحقيق الأداء الجيد بکامل رغبتهم ، ومن هنـا " تقع على عـاتق القيادات الإدارية مهمـة توحيـد اتجاهات الأفراد والـعاملين في المؤسسـات وتنمية الولاء نحوها ، وهنا تظهر مهارة القيادة في اختيار النمط المناسـب لإنجاح العملية الإدارية (حلواني ، ابتسام ، 1999 ، ص 128 ) .
فالقيـادة من أهم عنـاصر النجـاح في المنظمـات ، إذ أنَّ من شأنها أن تُوجه کافـة المـوارد نحو تـحـقيق الأهداف ، وتحدد اتجاهاتهم وولائهم ، إذ أن أي منظمة لن يُکتب لها النجاح في تحقيق أهدافها ، حتى لو توفرت لديها الإمکانيات المادية ، فـي ظل عجز قيادي غير قادر على توجيـه الموارد البشرية وتنظيمها وتنسيقها ( المخـلافي ، 2008 : ص 19) .
وقــــد أَولَـــت النظــم التربــــويــة فـي الکثير مــن الـــدول مــوضوع الإدارة المـــدرسيــة اهتمامًا ملحــوظًـا فـي الجهــود التي تبـذلها تلـک النظـم ، مـن أجــل تطـــويـر العمليـة التربــويـة ، وتحسين فعـاليتها وکفاءتـها (الطعـاني ، 1999 ص ص 107 – 130 ) .
ولقد أشارت البحوث التربوية والنفسية إلى أهمية الأنماط القيادية ، واقترانها بدرجة نجاح أو فشل المؤسسـات التربويـة وتطـوُّرها ودرجة تأثيـرها المبـاشـر على دافعيـة المعلمين سلبًا أو إيجابًا ، وأن لرضـا العاملين عن السلـوک القيـادي لمـديرهم تأثيـرًا مبـاشرًا على مستويـات إخـلاصهم ، وأدائهم فـي المنظمـة ؛ إذ لا يُعقـل أن يعمـل الإنسـان بشکـلِ جيِّـد تحت توجيـه أو إشـراف مـديره المبـاشـر الـذي لا يرتـاح إليـه أو يُحسُّ في قـرارة نفـسه أنـه غير مـتعاون معه ولا يتمنى له النجاح ( الطحان ، 2000 ، ص12 ) .
ومن هنـا نستطيع أن نؤکد أهمية دراسة الأنماط القيادية ؛ حيث إنها تُشکِّل الأسلوب أو الطريقـة التي يتعامل بها القائد مع مرؤوسيه ؛ حيث يُعـَدُّ النمط القيـادي العامل الرئيس في نجاح المؤسسات أو فشلها بعامة ، والمؤسسات التربوية بخاصة لما للقائد من دور حاسم في سلوک العاملين وفي إيجاد الجوِّ الفعّال في المدرسة ( القضاة ، 2005 ، ص9) .
ونظرًا للأهمية الکبرى التي تلعبها المدرسة کمؤسسة تربوية في المجتمع ، فإنها تحتاج إلى من يُديرها ويُتابع أعمالها ، ويُوجِّه العاملين فيها ويُشرف عليهم ، ويُنسِّق جُهودهم ، ويعمل على تحسين أدائهم من أجل تحقيق الأهداف المرسومة لهذه المنظمة . ومن هنا يمکن الحکم على أهمية المرکز الذي يتبوؤه مدير المدرسـة . وفي ضوء الفکر الإداري الحديث يتعين على مدير المدرسـة أن يُؤدِّى دوره قائدًا ومشرفًا ، وأن مفهوم القيادة بجدارة ؛ لتعکس آثارها على المعلمين والطلبة والمجتمـع المحـلى ، وأن تکون لـه خلفية علميـة واسعـة بوـائل القياس والتقويم ، باستخدام الاختبارات وخصائصها ، وبدرجـة الإنجاز المدرسي ، وبراعة في طرائق التدريس ، وبتطوير القوى البشرية والبرامج التعليمة والأنشطة التعليمية ، والأسس التي تُبنى عليهـا العلاقـات الإنسـانية وبالفلسفة الاجتماعية والاعتزاز بمهنـة التربية والتعليم ( 1990, Burret&Pankake ) .
ويتوقف نجاح المدرسة في أداء مهمتها على جودة الإدارة المدرسية ، والتي عن طريقها يتمُّ السيطرة على تخطيط وتنظيم وتدريب وتقويم عملية التعليم والتعلم ، فإذا کانت إدارة المدرسة غير صالحة فإنها بلاشک تُؤثر في نوعية المُخرجات ( الطلاب ) الشعبان ، 2008 م ، ص31 ) .
ومدير المدرسة بوصفه قائدًا تُناط به مهمات حيوية بالغة الأهمية ، وله دور فاعل في تحقيق أهداف العملية التعليمية ، فهو الذي تُناط به إدارة جميع الجهود والقوى العاملة التي تتعامل ضمن إطار عمله ، ويرتبط نجاح المدرسة في تحقيق أهدافها ورسالتها بالکيفية التي يُدير بها المدرسة ، وبالسلوک القيادي الذي يُمارسه ، وبالصفات القيادية الناجحة والتي تتمثل في شخصيته وقدرته على توظيف إمکاناته نحو العمل البنَّاء ، وذلک من أجل بناء علاقات إنسانية إيجابية مع المعلمين ، وتحسين ظروف العمل لديهم ، وتذليل الصعوبات التي تعترضهم ، والعمل على إشباعرغباتهم ، وتـحقيق طموحاتهم ؛ مما ينعکس إيجابيًا على مستوى جودة التعليم ، وتحقيق الأهداف المرسومة للمؤسسات التربوية ( العجارمة ، 2012 ، ص5 ) .
ويرى کثير من الباحثين أن الأنظمة التربوية غير قادرة على تحقيق الأهداف المرغوبة والمطلـوبة منها بما يتنـاسب مع متطلبَّات ومُستجِـدَّات عصـر العـولمة وثـورة المعلومـات ، وتتکـرر النـداءات لتطوير عملية التعليم ، وتحسين نوعية مُخرجات نظام التعليم ، ومن هنا يُرکِّز الکثيرون على تفعيل دور الجودة في التعليم إذ أنها صمام أمان إذا تضافرت جهود القائمين على النظام التربوي والمستفيدين منه .
وتُعَدَّ الجودة أحد أکبر الموضوعات المهمة في العملية التربوية بصفة عامة ، والعملية التعليمية بصفة خاصة، فمنذُ نهاية التسعينـات تُواجه النظم التعليمية تحدِّيًا کبيرًا " هذا التحدي هو تحسين جودة التعليم الذي تُقدِّمـه المؤسسات التعليمية ، فتحسين جودة التعليم أصبح هدفًـا أساسيًا مـن أجل تحسين السياسات التعليمية الحالية ( D, Osling&D , Andrea, 2001, pp . 7 – 16 ).
ويُعَدُّ مفهوم الجودة أحد السمات الأساسية للعصر الحاضر ، وذلک لاتساع استخدامه ، وازدياد الطلب عليه في کثير من جوانب الحياة المعاصرة ، فالعالم اليوم يعتنق مبدأ الجودة ، والعالم کله مشترک في سوق عالمية واحدة تتنافس فيها کل الدول ، وليس أمامها إلا تحقيق الجودة الذي يتطلب أن ينجح نظام التعليم في تعظيم قدرة الإنسان المشارک في عملية التنمية ( الزواوى ، 2003 م ، ص42 ) .
إننا نعيش العصر بکل خصائصـه ومتغيراته ؛ من تطور تکنولوجي ، ومعلوماتي ، وسرعة الاتصـال التي تعمل في ظلها المؤسسات الإنتاجية ، والتي تتميز بالتغيرات السريعة والمتلاحقة التي تفرض استخدام استراتيجيـة فعَّـالـة تجاه جـودة الخدمات والمنتجات التي تقدمها المؤسســات ؛ لأن الجـودة أصبحت من الأمور التي تُؤثر في حاضر ومستقبل المؤسسات وتـأثيـر تداعياته ( اليحيوى ، 2001 ، 20 ) .
إنَّ هذه المتغيرات فرضت أنماطًا جديدة من الفکر المطلوب التعامل معها ومواجهتها ، إنه فکر عصر المعلومات ، فکر غير نمطي ، يتَّسق مع ظواهر الواقع ، حيث النُّقلات الفُجائية والتغيرات العشوائية ، ومسارات التفکير المتوازية والمتداخلة ، إنه فکر غير تخصصي قادر على عبور الحواجز بين نوعيات جديدة من الذهنية القادرة على التعامل معها ومواجهتها ( الزواوى ، 2003 م ، ص ص 34 – 37 ) .
ويُعَدّ التعليم أحد الاحتياجات الرئيسة لکافة المجتمعات الإنسانية ، والجودة في التعليم هي الانتقال من ثقافة الحد الأدنى إلى ثقافة الإتقان والتميز ؛ لذا دأبت هذه المجتمعات الإنسانية وبشکلٍ مستمر على العمل نحو تطوير المؤسسات التعليمية بما يفي باحتياجات الحاضر ويتلاءم مع مُعطيات المستقبل ( البکر ، 2001 م ، ص 83 ) .
ولقد أکَّدت کثير من المؤتمـرات المحليـة والدوليـة على أن التحدي الرئيس للنظم التعليمية في هذه الأيـام ليس فقط تقـديم التعليم لکـل المواطنيـن ، ولکـن التَّأکيـد على أن التعليـم يجب أن يُقـدَّم بجودة عالية ( عيد ، عبد العـزيز ، 1997، ص ص 453 – 454 ) .
وقد نَبَعَ الاهتمام بالجودة في التعليم في کثير من الدول في عدَّة قطاعات لعـلَّ منهـا : الحکومة التي هي المسئولة عن الإنفاق على التعليم في أغلب دول العالم ، و المواطنون الذين يدفعون الضَّرائب للحکومة ،والقائمون على توظيف الخريجين ، والطلاب وأوليـاء أمـورهم ، وأعضـاء هيئـة التدريس والقائمـون على المؤسسات التعليمية ( M , Frazer , 1994, pp . 101– 102 ) .
وتُعتبر المرحلة المتوسطة ( الحلقة الثانية من التعليم الأساسي ) مرحلة مهمة في النظام التربوي ، حيث إنها حلقة الوصل بين التعليم الابتدائي والتعليم الثانوي ، ويزداد فيها عدد الطلبة کثيرًا عما هو عليه الحال في المرحلة الثانوية ؛ ولذا فإن أهمية إدارة المدارس في هذه المرحلة تُعتبر مهمة للغاية .
ولکي تُحقق المدرسة التطبيق الناجح للجودة فإنها ليست بحاجة إلى قائد بدون إدارة ولا إدارة بدون قائد ، وإنما بحاجة إلى قيادة إدارية تربوية واعية لأهمية التغيير ، تمتلک رؤية تطويرية مبدعة ، ولديها الکفاءة التي تمکنها من توجيه جهود العاملين نحو إنجاز العمل وفقًا للمعايير المحددة وبطريقة صحيحة من المرة الأولى وفى کل مرة ، بما يسهم في تحقيق الجودة لجميع العمليات المدرسية ( داغستاني ، 1428 ه ، ص 4 ) .
ويستخلص الباحث مما سبق أنَّ: الجودة في التعليم مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالتحسين المستمر، ومرتبطة أيضًا بالقادة ( مدراء المدارس ) ، کما أن کلًّا من القيادة التربوية ومستوى جودة التعليم لهما أهمية کبيرة في العملية التربوية .
ولهذا فقد أتت هذه الدراسة بهدف التعرف على أنماط القيادة التربوية لدى مديري مدارس الحلقة الثانية من التعليم الأساسي وعلاقتها بمستوى جودة التعليم بمحافظة البحيرة.