يشهد العالم اليوم تطورًا هائلاً في شتى مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والتقنية؛ وفي ظل هذا الزخم المعرفي، ينصب الترکيز على الجانب التربوي باعتباره القطاع الأکثر أهمية، لما يقوم به من دور في بناء المجتمع وتربية النشء وتوفير متطلبات الارتقاء والازدهار للأمم والشعوب. وتتطلع الشعوب لأولئک الذين يسهمون في صقل وإعداد الفرد لتحقيق تلک الغاية لينصب الاهتمام على المعلم الذي أوکلت إليه مهمة خطيرة وحساسة تتمثل في بناء المواطن الصالح المنتج والمنتمي لوطنه، والذي يمارس دوره في محيطه الاجتماعي والبيئي ليسهم في عملية تطوير مجتمعه وتغييره نحو الأفضل.
ولا يمکن أن تتحقق الأهداف التربوية للنظام التربوي إلا بوجود معلم مؤهل مهنيًا وأکاديميًا لکي يتمکن من القيام بأعباء تنشئة طلابه. ويحتل المعلم مکانة في النظام التعليمي، ويعد عنصرًا فاعلاً في تحقيق أهداف التربية, وحجر الزاوية في أي إصلاح أو تطوير تربوي، ولهذا فقد أصبح من الضروري إعادة النظر في أعمال المعلمين ووظائفهم باستمرار، وجعلهم واعين لتطور أدوارهم، ومستعدين للقيام بأدوارهم ووظائفهم باستمرار. (عيسى محمد، 2009، 39).
ونظرًا لأهمية مرحلة التعليم الأساسي فإنها تتطلب معلمًا تکون لديه منظومة قيمية وأخلاقية تحکم أداءته کافة بعيدًا عن التهاون، بحيث يبدع في التدريس والبحث وعدم الانغلاق على نمطية محددة، فيمارس دوره بفاعلية وکفاءة في التدريس والتقويم والنمو المهني وخدمة المجتمع، ويسير مع تلاميذه لأقصى ما تسمح به مقدرتهم وإمکاناتهم واستعداداتهم، ويقوم تلاميذه بعدالة ونزاهة وشفافية، ويکون قادرًا على تنمية القدرة النقدية التي تستلزم تفکيرًا حرًا وفعلاً مستقلاً.
هذا؛ والعلاقة قوية بين إعداد المعلم ومستوى التلاميذ، لذا يجب الانتباه إلى أن البرامج التعليمية التي تقدمها الجامعة في ضوء معايير الجودة تؤثر إيجابًا في الأداء الفعلي لمعلم تلک المرحلة.
وهذه المعايير ينبغي أن تأخذ في الاعتبار ما يلى کما أشار إليها (عبد الرحمن السنوسي، 2012، 376):
- واقع برامج إعداد معلم التعليم الأساسي بکليات التربية.
- الوقوف على التجارب العالمية والبرامج العصرية في ضوء متطلبات العصر في مجال جودة برامج إعداد المعلمين.
- الموازنة بين المعرفة النظرية والتطبيقية لبرامج إعداد المعلم في التعليم الأساسي.
- معايير اختيار المعلم ومقارنته بمعايير عالمية وعربية.
- الآليات المستخدمة لمنح شهادة مزاولة مهنة التعليم للمعلم.
ويملک تلاميذ الحلقة الأولى من التعليم الأساسي قدرات وطاقات هائلة تدفعهم إلى اکتشاف ما يحيط بهم، والتفاعل مع کل ما يوجد في بيئتهم، وهم بذلک معرضون للعديد من أخطار الحياة اليومية. ونظرًا لخبراتهم المحدودة يکونون غير قادرين على وقاية أنفسهم من مثل هذه الأخطار أو غير قادرين على التصرف السليم لمواجهة ما يتعرضون له من أخطار.
حيث إن سلوک تلميذ الحلقة الأولى من التعليم الأساسي يعد مؤشرًا مفيدًا للتعرف على قدرته على التکيف مع الواقع المحيط به. کما أنه يعد مؤشرًا غير مباشر يدل على قدرة الأسرة والمجتمع على تهذيب سلوک تلميذ الحلقة الأولى من التعليم الأساسي وما تتبعه من وسائل تربوية في إطار البيئة الاجتماعية.
إن اضطراب سلوک تلميذ الحلقة الأولى من التعليم الأساسي غالبًا ما يتصف بعدم انسجام ذلک السلوک مع المقبول والمألوف، وهو نتيجة لفشل التلميذ في اعتماد السلوک النموذج أو السلوک المطلوب اجتماعيًا أو المناسب لمرحلة النمو التي يمر بها، کما أن السلوک غير المناسب يعد دليلاً على إخفاق التلميذ في إرساء الضوابط السلوکية التي توجه أسلوبه في التعامل مع البيئة من جهة ومع انفعالاته ودوافعه الداخلية من جهة أخرى. (هدى جلال، 2009، 94)
ويجدر بنا أن ننظر من زاويه تربوية إلى سلم الاحتياجات البشرية لماسلو والتي تقول بأن الإنسان يتقدم في إشباع حاجاته, من الحاجات الأساسية الأولية وهي الحاجات الفسيولوجية (الغذاء)، ثم ينتقل إلى إشباع حاجات الأمان (الأمن)، ثم الحاجات الاجتماعية (الحب والانتماء)، ثم حاجات التقدير، وأخيرًا حاجات تقدير الذات، وبهذا يتضح أنه إن لم نشعر بالأمن فلا يمکننا الانتقال إلى المستويات الأعلى في الهرم. وفيحديثناعنالأمنفإننالانقصدبهالأمنبمفهومهالضيقالقاصرعلى الحفاظعلىحياةالإنسانفقطبل نسعىونجتهدلتحقيقالأمنبمفهومهالشاملوالذييتمثلفيعدةمجالاتمنها الأمنالفکريوالسياسيوالاقتصاديوالاجتماعيوغيرهامن المجالاتالأخرى.ومنخلالالمفهومالواسعللأمنتستقر الحياة، ويأمنالإنسانعلىحياتهوعرضهوماله،وعندماتشعرالنفسالبشريةبالراحةوالطمأنينة،يعملالإنسان وتنهضالشعوبببناءوتنميةحضارتهاوتقدمهافيشتىمجالاتها.
ويعتبرالأمنذاعلاقةأساسيةوقويةبمجالالتنشئةوالتربية،فإذاحققتالتربيةالهدفالأسمىوالمنشودوهوإعدادالمواطنالصالحفإنالأمنوالاطمئنانوالاستقرارهوالعائدلذلکالمجتمعالذينعيشفيه وبذلکفلميعدتحقيقالأمنقاصرًاعلىالأجهزةالأمنيةبمفردها، بلجميعالمؤسسات.
وانطلاقًا من أن التربية هي المسؤول الرئيسي في إعداد البشر لمواجهة کافة التحديات، فقد ظهر بعض المفاهيم ومنها مفهوم التربية الأمانية. وتعدالتربية الأمانية أحدمجالاتالتربيةبشکلهاالعام، حيثأضحىمفهومالتربية الأمانية مفهومًاتربويًادوليًا شائعًا،فتطبيقاتهتمتد إلى کثيرمندولالعالمالمختلفة،وقدأسفرهذاالاهتمام إلى ظهورعددمنالتجارب والإجراءاتالتطبيقيةالرامية إلى تفعيلهذاالمفهوموتحويله إلى صيغتطبيقيهفيالمجالالتربويوإلىزيادة الاستفادةمنهفيتعزيزالأمنالوطني،وإلىزيادةالوعيبأهميةالسلمالاجتماعيوأثرهفيتحقيقالتقدموالنمو الاجتماعيوالاقتصاديللدول. (محمد عبد الرحمن، 2013، 3)
فالتربية الأمانية توفر بيئة مادية وطبيعية وإنسانية آمنة في مرحلة التعليم الأساسي وتيسر لتلميذ الحلقة الأولى من التعليم الأساسي حرية التجريب والاستکشاف، والنمو والتعلم وإثبات الذات، والتواصل الاجتماعي الإيجابي بمن حوله وبالتالي يستشعر التلميذ مسؤوليته تجاه أمنه وأمن من حوله، ويتصرف بأسلوب إيجابي يحمي به بيئته من المخاطر التي قد تنجم عن تصرفاته غير الحذرة، وفي الوقت نفسه يتمتع فيها الطفل ببيئة آمنه تدفعه لمزيد من الإيجابية في التواصل معها. فتحقيق التربية الأمانية سوف يعمل على تخفيض معدلات الانحراف السلوکي کما أنها تعمل على غرس المهارات والقيم الإيجابية للتفاعل مع معطيات العصر، وتعمل على تعزيز الوعي الأمني في أوساط التلاميذ فيما يتصل بأدوارهم فيما يتصل بالأمن. (هدى جلال، 2009، 100)
فالتربية الأمانية لا تقتصر على تحقيق الأمان للأطفال في الجانب الصحي والجسمي فقط، وإنما تسعى -کذلک- إلى تغيير السلوک غير الآمن لدى الأطفال من خلال الأنشطة التعليمية للمحافظة على حق الأطفال في بيئة إنسانية طبيعية ومادية آمنة.