في الأونة الأخيرة لاحظنا إتجاة الدولة إلي إفتتاح عدد من المدارس التي تتبني نوع معين من التعليم .مثل المدرسة اليابانية و مدارس المتفوقين التي تهتم بالعلوم و التکنولوجيا و التي تتخذ التعلم عن طريق المشروعات مذهباً في التدريس .هذه المدارس هي تطبيق لنظريات تربوية . و إهتمام الدولة بها يعکس حاجة الدوله و رغبتها في تحسين الواقع التعليمي . و هناک الکثير من الأصوات التي تتعالي ضد إتجاة الدولة لهذه التجارب , مًعتبرتاً أن تطبيق النشاط جزئياً دون النظرية کاملةً , أي تطبيق النظرية في الإعتبارات الإدارية ,الهيکل التنظيمي للمؤسسة ,المعلمين,المناهج , التقييم و التقويم , يُنبأ بعدم نجاح التجربة . إذا تصطدم هذه التجارب بالواقع التعليمي و المنظومة البشرية القائمة علي نظام التعليم في مصر.و إن تجارب مدارس المتفوقيين تزيد من قضبية التعليم و الإهتمام الجزئي بفرع واحد من المعارف و هي العلوم و التکنولوجيا ,متجاهلاً تنمية الإحساس و مواهب الشعر و الموسقي و الأدب ....... [1]. و بتطبيق هذه المشاريع و الوقوف علي العقبات التي ينتج عنها عدم الإستمرارية يتوصل الکثير إلي قناعة بأننا نحتاج بعث أخلاقي و روحي لا تطور تکنولوجي فقط. أو تشريعات تربوية فقط .هذا مع واقع أن منظور التفوق العلمي الأن في المجتمع المصري مقصور علي العلوم الطبيعية . و بات التفوق تفوق علمي في العلوم أو الرياضيات متجاهلين العلوم الإنسانية. وغير مدرکين أن الدين الإسلامي نادي بالتربية الکلية ,و أن الفکر الإنساني علي مر التاريخ في حالة من الکر و الفر لفکر التربية الکلية يذهب بعيداُ عنها ثم يعود أدراجه مرة أخري لفکرة التوازن بين العلوم و التناسق بين عناصر المحتوي الکوني . فنجد القراّن الکريم في سورة البلد يجمع بين العلوم الحسية و الروحية في قوله تعالي "ألم نجعل له عينين,و لساناً و شفتين ,و هديناه النجدين "صدق الله العظيم.فأظهر لنا الحواس التي نختبر بها العلوم الحسية ثم تطرق إلي الهُدي الذي هو قُدرة روحية إلهية . و هنا الأية تنقلنا من العالم الحسي للعالم الروحي و نجد أيضاً في سورة النور قوله تعالي"اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ کَمِشْکَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ کَأَنَّهَا کَوْکَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَکَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَکَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّهُ بِکُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" لقد تنقلت الأية بالإنسان من العالم الروحي للعالم الحسي .فتظهر مرونة تربوية حتمية في القراّن الکريم في الإنتقال بين العالمين .فنجد قول الدکتور مصطفي محمود (في العلوم ظاهر الحال ,لا يُمثل کل الحقيقة ,فعلوم الکمياء و الکهرباء و الذرة و الإلکترونيات التي سبقنا فيها الغرب ليست کل العلم و أنما هي علوم الظاهر من أمور الدنيا و قد قال الله تعالي "يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا و هم عن الأخرة هم غافلون[2] "{[3]ونجد الفليسوف أرسطو يشير إلي الإتجاة إلي تربية العقل و الروح في مقولته " لا يوجد تعليم للعقل بدون القلب". و ينادي الفليسوف المصري رشدي راشد بضرورة التناسق بين العلوم و عدم تقسيم العلم إلي شُعب (علمي-أدبي)[4].
أن المجتمعات الإنسانية مرت بعصور متعاقبة من التغييرات الحضارية و الاجتماعية و السياسية و الدينية و الاقتصادية مما جعل کثير من المفکرين و الفلاسفة و التربويين يبحثون علي مر العصور و باختلاف الظروف عن نظريات تربوية تلائم المراحل التي تمر بها مجتمعاتهم و تجابه هذه التغييرات . لذا کانت نظريات المعرفة والتربية مبحث هام جداً لهؤلاء المفکرين. حيث کان الصراع واضح منذ زمن الحضارة اليونانية حتى الوقت الحاضر بين نظريات مبنية علي العقل المحض وأخري علي الحواس وغيرها مبنية على تنمية النواحي الروحية دون غيرها. کانت هذه النظريات کلها نتاج فلسفة تجابه التغييرات التي تحدث في المجتمعات وتجسد رغبة المفکرين المستمرة للسعي وراء الکمال الإنساني والکمال المعرفي الذي لن يتحقق إلا بالارتقاء بالتعليم[5].
لذلک فإن التربية الکلية المتکاملة هي الحل .و في حقل التنظير التربوي و التعليم البديل هناک ما يسمي مدارس فالدورف أو تعليم فالدورف , و سمي فالدورف تيمناً بمدينة فالدورف في ألمانيا و التي أقيمت فيها أول لنموذج مطبق للنظرية التربوية لردولف شتاينر .
رودولف شتاينر فليسوف ومهندس معماري ,نحات , متصوف نمساوي آمنبتربية الإنسان ککل . و بني نظرية تربوية علي أساس فلسفة الأنثروبوصوفيا و هي فلسفة منبثقة من التصوف الغربي و المثالية الألمانية . و تُسمي أيضاُ "علم طبائع البشر. و يُعرف بأنه رائدا لمجموعة متنوعة من مجالات التعلم .([6])کما دُعي شتاينير للانضمام مع مجموعة من المتخصصين للمشارکة في تحرير أعمال جوته Goethe في فايمار، ([7]) کما أسس الزراعة الحيوية، والطب الروحاني.([8]) أسس بعد ذلک مجلة(Lucifer) شيد المبنى الأول الذي دعي Goethanum و دار نشر أسستها "ماري فون سيفير" زوجته الثانية لنشر کتبه و
[1]) أ.و.طوني بيتس:مرجع سابق,ص113
[2]) سورة الروم أية 7
[3] ) مصطفي محمود:الغد المشتعل,دار کتاب اليوم , ط 3 , 1995, ص 8
[4] ) رشدي راشد: في تاريخ العلوم.دراسات فلسفية, ترجمة :حاتم الزغل-بيت الحکمة ,تونس,2005.,قراءة : عبدالله المطيري, جريدة الرياض, الخميس11 محرم 1430هـ - 8 يناير2009م - العدد 14808
[5] ) عدنان عباس علي : الاتجاهات المثالية والمادية في الفلسفة الأوربية (الحلقة الأولى),الحوار المتمدن-العدد: 4195 - 2013 / 8 / 25 – ص 16:47
[6]1-Franz Winkler, Man the Bridge between Two Worlds,Harpers&Brothers,p221-225
[7]Rudolf Steiner "Mein Lebensgang "Rudolf Steiner Oline Archive, Auflage 3,2009,p24
[8]Rudolf Steiner “Anthroposophy and the Social Question" Essay from "Luzifer Gnosis", 1919, , Anthroposophy, 1927 Vol. II, No.3,