إن العلاقات بين مصر وفينيقيا* علاقات ضاربة في القدم وترجع إلي بداية عصر الأسرات الفرعونية . وأول مدينة احتلت مکانة مميزة في هذه العلاقات المصرية الفينيقية هي مدينة بيبلوس (جبيل أو جُبلة القديمة) التي عرفها المصريون القدماء باسم kpny ،وهي المدينة التي يفاخر تراثها بالاعتقاد السائد لديهم بأن مدينتهم هي أقدم مدن العالم وأن من أقامها هو الإله " إل " کبير آلهة مجمع الآلهة الکنعاني(1). ويعتقد بعض العلماء ويرجحون أن ملوک الأسرة الأولى الفرعونية استخدموا أخشاب بيبلوس في إقامة منشآتهم المعمارية وکذلک المنتجات الجانبية لهذا الخشب (خشب الأرز) مثل زيت الأرز ومادته الصمغية باعتبار أن خشب بيبلوس من أجود أخشاب المنطقة مما يخلد منجزات هذه الدولة الموحدة الناشئة(2). کما أن هناک قرائن مکتوبة تفيد بأن الملک سنفرو من الأسرة الثالثة الفرعونية (2650 - 2575 ق. م.) استورد أربعين سفينة من خشب الأرز من بيبلوس لأعماله العمرانية وکذلک خمورًا وزيوتًا للتحنيط ، وکانت بيبلوس تستورد من مصر في مقابل ذلک الذهب والمصنوعات المعدنية ومادة الکتابة من ورق البردي (papyrus) (التي اشتهرت " بيبلوس " بتوزيعها - بعد استيرادها من مصر - لمناطق عديدة في البحر المتوسط حتى أن الإغـريق أطلقــوا اسم هـذه المدينــة التي کانــت تبيع لهـم الورق المصري على لفظة " الکتاب biblos " ، وظلت هذه اللفظة باقية في اللغة الإنجليزية للدلالة على " الکتاب المقدس ") . کما أن الملک خوفو أول ملوک الأسرة الرابعة (2575 - 2465 ق. م.) نقش اسمه على آنية من الالباستر وأرسلها کهدية إلى " سيدة بيبلوس " (إلهة جبيل التي شبهها المصريون بربتهم حتحور(3)) . کما يُذکر أن بحارة إحدى سفن خوفو قد فقدوا رأس بلطة بالقرب من مصب نهر أدونيس(4).
* فينيقيا هي ذلک الجزء الذي يشغل الساحل اللبناني الحالي من أرض کنعان التي کانت تمتد على طول ساحل القسم الشرقي من البحر المتوسط وتضم سواحل سوريا ولبنان وفلسطين الحالية . وقد أُطلق على هذا الجزء من الساحل الکنعاني اسم " فينيقيا " بدءا من القرن الثاني عشر ق.م. حين توطدت العلاقات بين سکان هذا الجزء من أرض کنعان مع الإغريق الذين أطلقوا عليهم هذا الاسم " فينيقيون " Foinikes اشتقاقا من الصبغة الأرجوانية Foinix التي اشتهروا بإنتاجها وتصديرها للشعوب المحيطة بهم ، وأُطلق هذا الاسم کذلک على موطنهم " فينيقيا Foinikh " . وقد اشتهرت هذه المنطقة من الساحل الکنعاني بهذا الاسم " فينيقيا " وأصبحت معروفة بهذا الاسم .
(1) Donald B. Redford , Egypt , Canaan and Israel in Ancient times , Princeton Univ. Press, 1992 , p. 38 .
(2) Ibid. ;S. Tawfik , Göttinger Miszellen 30 , 1978 , p. 79 .
(3) فيليب حتي : تاريخ سوريا ولبنان وفلسطين ، ترجمة د. جورج حداد وعبدالکريم رافق ومراجعة د. جبرائيل جبور ، دار الثقافة بيروت ، ص 136 - 137 ، وکذلک :
Michael Grant , The Ancient Mediterranean , Publications , Printing USA , 1988 , pp. 60 - 61 .
(4) D. Redford , op. cit. , p. 42 .