کثير من الحرف و الصناعات التى عرفت فى فترة حکم أسرة محمد على هى امتداد للحرف و الصناعات التى عرفتها مصر و الشرق الإسلامى فى العصور الوسطى , و کان من بين تلک الصناعات صناعة الأوانى و التنانير و أحجبة الشبابيک النحاسية ... و غيرها .
و قد أنتجت فى تلک الفترة نماذج من اعمال النحاس کانت على درجة عالية من الجودة و الابداع و التفنن , و قد بلغت درجة کبيرة فى عهد الخديوى إسماعيل , و يدل على ذلک الاعمال و التحف الفنية التى وصلتنا و التى يحمل بعضها اسمه , و قد شغلت بعناصر زخرفية کتابية و هندسية و نباتية نفذت بدقة و اتقان شديدين .
و مرجع ذلک هو النهضة التى شهدتها البلاد فى عهد هذا العاهل من بناء و تشييد للعمائر من مساجد و قصور و سريات , على يديه و يد الامراء و کبار رجال الدولة من الباشوات , مما تطلب معه توفير الثريات و التنانير و القناديل لإضاءة هذه المبانى .
و من تلک المصنوعات النحاسية تنورين من النحاس الاصفر –هما موضوع البحث- موجودين بجامع الرفاعى بميدان القلعة فى مدينة القاهرة لم تسبق دراستهما . و فى هذا البحث سوف يتم القاء الضوء على صناعة النحاس بما تسمح به متطلبات البحث فى عهد الخديوى إسماعيل , ثم الدراسة الفنية الأثرية
و مما هو جدير بالذکر أنه فى تلک الفترة کان الحاکم (الوالى او الخديوى) ينقل عدد من الحرفيين بعددهم و أدوات صناعتهم إلى مکان مخصص ملحق بالقصر لتزاول الصناعات المختلفة المطلوب تنفيذها لقصوره و سرياته و مساجده , فضلاً عما کانت تتم صناعته خارج مصر خاص به إذا لم تکن تتوافر سبل صناعته بها .
و قد تمت صناعة هاتين التنورين بمدينة القاهرة , حسبما اخبرتنا به المصادر المعاصرة , و کذلک الوثائق التى اشارت إلى انه کان فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر الميلادى بمدينة القاهرة عدد کبير من ارباب الحرف , کانت بينهم حرفة صناعة النحاس , و کان حى النحاسين الذى مازال قائماً حتى اليوم موجوداً , و الذى يرجع زمن وجوده إلى عصر المماليک , و قد اشار اليه المؤرخ المقريزى و إلى الصناعات التى کانت تتم به .