Subjects
-Tags
-Abstract
رغم الدراسات العديدة والمتنوعة التي حظيت بها منطقة الفرات الأعلى والأوسط من قبل المؤرخين العرب والأوربيين القدامى والمحدثين الذين استفاضوا في دراسة تاريخ مدن وقلاع هذه الأقاليم والدور المؤثر والهام الذي قامت به هذه المدن والقلاع منذ الفتح الإسلامي لبلاد الشام وإقليم الجزيرة الفراتية حتى نهاية العصر المملوکي، وخلال فترات الصراع الصليبي بهذه الأقاليم منذ أواخر القرن الخامس الهجري / أواخر القرن الحادي عشر الميلادي حتى انهيار الکيان الصليبي في نهاية القرن السابع الهجري / نهاية القرن الثالث عشر الميلادي فأن مدينة الرقة لم تحظ بهذا الاهتمام من قبل المؤرخين القدامى والمحدثين من العرب والأوربيين ولم تخصص لها دراسة مستقلة قائمة بذاتها تتناول التاريخ السياسي والحضاري لهذه المدينة عبر العصور الإسلامية المتعاقبة ويستثني من ذلک الدراسة التي عثرنا عليها مصادفة لمؤرخ من القرن الرابع الهجري والعاشر الميلادي المعروف باسم القشيري المتوفي في عام 334(هـ/945م) تحت اسم تاريخ الرقة، وحتي هذا الکتاب لم يتناول التاريخ السياسي والحضاري لهذه المدينة وانما اعتمد علي ترجمة شخصيات ولدت أو نشأت وسکنت المدينة من العلماء ورواة الحديث ورغم الموقع الاستراتيجي الهام والفريد الذي تحتله مدينة الرقة من الناحية العسکرية والاقتصادية وسط مدن وقلاع اقليمي الفرات الاوسط والأعلى ،علي النحو الذي أکدته المصادر الجغرافية والتاريخية المتاحة لدينا والتي تناولت تاريخها بإعتبارها قصبة ديار مضر علي حد قول المقدسي ،أو أنها واسطة بلاد مضر علي حد اجماع المصادر الجغرافية الاخري،و بإعتبارها کانت مرکزا رئيسيا للتجارة والتجار في اقليمي الفرات الأوسط والأعلى ، وکان يفد اليها التجار والتجارة من کل انحاء العراق وخارج العراق ، بل انها کانت معبرا رئيسيا لتجارة بلاد الرافدين الداخلية والخارجية ،إلا أنه يلاحظ أن المصادر المتاحة لدينا التي تناولت تاريخ هذه المدينة کانت تذکرها بشکل عارض خلال تعرضها لتاريخ إقليم الجزيرة الفراتية وبلاد الشام عبر العصور الاسلامية ،وجاءت روايات المصادر عنها في شکل شذرات وروايات متفرقة ومتناثرة في بطون المصادر الاسلامية والمسيحية والسريانية.
وأکدت هذه الروايات علي الدور الفعال والمؤثر لأمراء أو حکام الرقة في الأحداث التي دارت رحاها في کل من شمال الشام وإقليمي الفرات الاوسط والأعلى کما کانت بمثابة المحور الرئيسي ونقطة ارتکاز جميع الجيوش الاسلامية القادمة من شمال الشام والعابرة الفرات الاوسط للسيطرة علي مدن وقلاع اقليمي الفرات الاوسط والأعلى خاصة في العصرين الزنکي والايوبي
وأوضحت هذه الروايات المتفرقة کيف أن الرقة لعبت دورا محوريا خلال العصر العباسي بأکمله خاصة في عصر القوة العسکرية حين أدرک الخلفاء العباسيون العظام أمثال المنصور والرشيد والمأمون أهمية هذه المدينة من الناحيتين الاستراتيجية والاقتصادية ، وأوضحت الروايات المتفرقة کيف أن الرقة لعبت دروا محوريا في الصراع العباسي البيزنطي عي أساس أن الرقة کانت في فترة من فترات التاريخ العباسي في عصر القوة العسکرية عاصمة إقليم الجزيرة الفراتية والثغور والعواصم العباسية المتاخمة لحدود الروم.
وللتأکيد علي الأهمية الاستراتيجية للرقة بالنسبة لخلفاء عصر القوة العسکرية أن هارون الرشيد في أحدي مراحل حکمه اتخذها منتزه له ومستقرا ومقاما بل وعاصمة ثانية للعباسيين لما يزيد عن عقد کامل في الفترة من عام (180-193هـ/796-809م) حيث أنتقل اليها مع بلاطه وحاشيته وزوجاته وجيوشه وأبناءه ووزراءه، بحيث أنزوت بغداد إلي جانبها خلال الفترة المشار اليها ،وحيث کان ينطلق منها بجيوشه لغزو الروم سنويا ، وأيضا للحج سنويا إلي الأحرام المقدس بالحجاز.
وعندما جاء الرشيد إلي بغداد أواخر السنة الاخيرة من حکمه أواخر عام(193هـ/809م) وهي سنة وفاته، ظلت الرقة عاصمة الجزء الغربي للخلافة العباسية لما يقرب من قرن من الزمان کما أکدت المصادر ،وأيد ذلک المستشرقين والآثريين الألمان ستيفان هايدمان Heidmann ،أندريابيکر Backer وخلال القرنين الرابع والخامس الهجريين (العاشر والحادي عشر الميلاديين) أدرکت العديد من القوي العربية وغير العربية وعلي رأسهم الطولونيين والحمدانيين والأخشيد والقرامطة والفاطميين والمرداسيين والعقيليين وکذلک السلاجقة والصليبيين الأهمية الاستراتيجية للرقة بإعتبارها ورقة رابحة في ذلک التناحر والصراع المرير بينهم.
کما أن مدينة الرقة کان لها اسهام کبير في الحضارة الاسلامية عبر العصور العباسية في جميع الجوانب اقتصاديا واجتماعيا وعلميا ودينيا ومعماريا فخرج منها فحول الشعراء والأدب مثل عبد الله بن قيس الرقيات.
ورغم هذا الفيض من دراسات المستشرقين التي تناولت تاريخ الرقة عبر عصورها الأسلامية من ناحية الجوانب الآثرية، نتيجة للجهود الضخمة التي قامت بها البعثات الآثرية من قبل الآثريين الألمان والفرنسيين والبريطانيين والايطاليين وعلي رأسهم فريدريک زارة Sarre ، و إرنست هيرزفيلد HERzfeld في رحلتهما الآثرية إلي مدينة الرقة عام(1909م) حيث دونا ما شاهداه في مقال لهما تحت اسم: رحلة أثرية إلي منطقة الفرات ودجلة Archeaologisch Reise im Euphrat-Und. Tigris Gebeit
حيث قاموا بالعديد من الحفريات في العديد من المواقع خارج مدينتي الرقة والرافقة شقيقتها وداخلها لاکتشاف بقايا قصور العباسيين ومراکز تصنيع الأواني الزجاجية والفخارية التي اشتهرت بها الرقة خلال العصر العباسي واکتشاف العديد من النقوش الخاصة في هذه الفترة ، بجانب عملات عثر عليها بالرقة والرافقة ، ورغم أن هذه الجهود من قبل المستشرقين والآثريين الأوربيين توجت بعديد من الأبحاث الرائعة والقيمة تخص مدينة الرقة والرافقة إلا أنها اقتصرت علي التاريخ الحضاري لمدينة الرقة دون التاريخ السياسي ،وأن کانت هذه الاکتشافات الأثرية الرائعة قد أوضحت لنا العديد من الحقائق الخاصة بالتاريخ السياسي للرقة في بعض عصورها الاسلامية
ومن المهم جدا أن نذکر أن المستشرقين الذين تناولوا تاريخ الفرات الاوسط والأعلى وکذلک بلاد الشام عبر عصورهم الاسلامية لم يفردوا دراسة شاملة مستقلة تتناول التاريخ السياسي والحضارة لمدينة الرقة ، وحتي المستشرق الفرنسي الکبير ماريوس کانار CANARDM. عندما تعرض في بعض الصفحات في کتابه الموسوم " بتاريخ الدولة الحمدانية في الجزيرة وبلاد الشام" لتأريخ الرقة من حيث موقعها وأهميتها الاستراتيجية والاقتصادية لبلاد الشام والجزيرة الفراتية لم يضف جديدا خاصة وانه أعتمد علي المصادر الجغرافية والتاريخية التي تيسرت لنا في استقاء مادته الجغرافية والتاريخية التي تخص هذه المدينة
وهذه الدراسة ليست الا اجتهادا شخصيا ومحاولة متواضعة من جانبنا لإظهار أهمية دور مدينة الرقة في التاريخ الاسلامي واسهامات رجالاتها في اثراء الحضارة الاسلامية ،ويشجع الباحثين فيما بعد علي ضرورة استکماله والاستفاضة في بعض جوانبه وزواياه وعناصره الأخرى التي قد يراها البعض انها لم تعط حقها في البحث والدراسة.
DOI
10.21608/cguaa.2012.34555
Authors
MiddleName
-Affiliation
أستاذ زرئيس قسم التاريخ الإسلامي
کلية دار العلوم - جامعة الفيوم
City
-Orcid
-Link
https://cguaa.journals.ekb.eg/article_34555.html
Detail API
https://cguaa.journals.ekb.eg/service?article_code=34555
Publication Title
حولية الاتحاد العام للآثاريين العرب "دراسات فى آثار الوطن العربى"
Publication Link
https://cguaa.journals.ekb.eg/
MainTitle
مدينة الرقة من الفتح الإسلامي حتى نهاية عصر الزنکيين (دراسة تاريخية وحضارية)