لا ريب أنّ أعظم المخطوطات القديمة شأناً - من الوجهة الفنية - هي المصاحف التي کانت تُکتب بين القرنين الرابع والسادس بعد الهجرة (العاشر والثاني عشر بعد الميلاد)، والتي کانت تُدهَّب وتُزيّن بأدقّ الرسوم وأبدعها, وکان الفنانون الذين يزيّنون الصفحات المکتوبة أرفع الفنانين قدراً بعد الخطاطين أنفسهم, وکان " المذهِّب" أعظم أولئک الفنانين شأنا.
وأکبر الظن أن الخطاط کان يتمّ عمله قبل کل شيء، ولم يکن يفوته أن يترک الفراغ الذي يُطلب منه في بعض الصفحات لتُرسم فيه الصور المطلوبة بعد ذلک, وکان المخطوط يُسلّم بعد ذلک إلى فنان متخصص برسم الهوامش وتزيينها بالزخارف، ثمّ إلى آخر لتذهيب هوامشه وصفحاته الأولى وصفحاته الأخيرة وأوائل فصوله وعناوينه وغير ذلک من الزخارف المتفرقة.
وکانت الرسوم النباتية والهندسيّة المذهّبة تصل في المخطوطات الثمينة إلى أبعد حدود الإتقان، وخاصة في القرنين التاسع والعاشر بعد الهجرة (نهاية القرن الخامس عشر وفي القرن السادس عشر بعد الميلاد), حيث بلغت الغاية في الاتّزان والدقّة وتوافق الألوان.
ولا شک أن تعظيم القرآن کان يبعث کثيراً من الفنّانين على العناية بتذهيب المصاحف, وهذا التذهيب له صلة وثيقة بکتابة المخطوطات بالخط الجميل، فعُني القوم بهذا الفن, وذهب بعضهم إلى القول بأنّ الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السّلام هو أوّل مَن ذهّب مصحفاً، وبأن کثيرين من عِلْية القوم قد اقتفَوا أثره في ذلک.
هذه المخطوطة عبارة عن نسخة توضيحية للقرآن کاملة في مجلد واحد تم أخذها من إيران ووضعت علي ورق أوربي بواسطة شخص مجهول تقريباً في سنة( 1230ه/ 1814-1815م), ومحفوظة في جلدة مزخرفة , ولغتها الأساسية هي اللغة العربية, وموضوعة في ورق مقوي, وعدد صفحات المصحف"187" ورقة, وأبعاده العرض 8سم والارتفاع 13.5سم, وعرض السطح المکتوب عليه 5سم.
ويتناول ذلک البحث دراسة أثرية فنية لمصحف شريف يرجع إلي القرن الثالث عشر الهجري التاسع عشر الميلادي من إيران, وذلک لإلقاء الضوء علي دراسة المصاحف في إيران في العصر المبکر واهتمام الحکام بتذهيبها وزخرفتها ثم التعرض لدراسة المصحف دراسة وصفية لذکر المادة الخام المصنوع منها ومقاساته وعدد أوراق صفحاته وجلدته وديباجته وکذا نوع الخط المستخدم, ثم الإشارة إلي الفواصل بين الآيات القرآنية والزخارف المحددة لبدايات السور والأجزاء, ثم الدراسة المقارنة وذلک بمقارنته بمثيلاته للمصاحف التي ترجع إلي هذه الفترة.