Subjects
-Tags
-Abstract
بالرغم من هذا الفيض من الدراسات العديدة والمتنوعة التي حظيت بها منطقة الفرات الأعلى والأوسط والأخص شمال الشام وثغورهم المتاخمة للبيزنطيين خاصة في العصرين الأموي والعباسي ومن تلاها من العصور حتى نهاية سلطنة سلاجقة الروم من قبل المؤرخين العرب والأوربيين القدامى والمحدثين إلا أن مدينة أو ثغر مرعش لم تحظ بهذا الاهتمام من قبل هؤلاء المؤرخين ولم تخصص لها دراسة مستقلة سياسية أو حضارية تتناول التاريخ السياسي والحضاري لها عبر العصور الوسطى ومنذ ظهور الإسلام وبداية الصراع الإسلامي البيزنطي الصليبي حولها إلى نهاية عصر سلطنة سلاجقة الروم .
و مرعش هى مدينة ضمن الثغور الجزرية تقع على الضفة اليمنى لنهر جيحان، أولها مما يلي جبل اللکام على حد تعبير صاحب کتاب الأعلاق الخطيرة ، في حين يذکر ابن عبد الحق أنها مدينة بالثغور بين الشام والبلاد الرومية أخذها الرشيد ولها سوران وفي وسطها حصن يسمى المرواني کان قد بناها مروان الحجار وهى مدينة قديمة تأسست في عهد سليوقوس کما يذکر ابن العبري، وفي العهد الروماني أطلق عليها اسم جرمانيشيا Germanicia أو جرمانيکيا Germanikeia . ويرى أحد المؤرخين الجغرافيين المحدثين أن الروم سموها مراسيون Marusion وقامت في موضع يسمى جرمانيقية . والاسم الأرميني لها Nakinuk، وکانت من الثغور التى جلا عنها الروم عند الفتح الإسلامي لبلاد الشام والعراق فخربت فأعاد خالد بن الوليد بناءها مرة أخرى ، وطبقا لما أورده ابن الشحنة في کتابه الدر المنتخب وابن شداد في الاعلاق الخطيرة فإن البلاد قد دمرت بعد ذلک في مرحلة تالية بدليل أن معاوية قد أعاد بناءها مرة أخرى خلال فترة حکمه.
والجدير بالذکر أنه کان لمرعش دورها البارز والهام في الصراع البيزنطي الإسلامي سواء في عهد الفتوحات الإسلامية في عهد عمر بن الخطاب أو خلال العصريين الأموي والعباسي وکثيرا ما خرجت منها الجيوش الإسلامية لجهاد البيزنطيين، وأحيانا کانت تتلقى الضربات البيزنطية . ولاشک أن الموقع الاستراتيجي المميز لمدينة مرعش جعلها ساحة للصراع المرير بين البيزنطيين والمسلمين واستمر تبادل مرعش بين الجانبين البيزنطي والإسلامي کما استمر أيضا تخريبها وتعميرها . وفي عهد أواخر خلفاء بني أميه حصنها وعمارها المسلمون وانتقلوا إليها وبنوا لهم فيها مسجدا جامعا، ثم حصنها هارون الرشيد وکان لها سوران وخندق وفي وسطها حصن عليه سور يعرف بالمرواني على حد تعبير ياقوت الحموى وصاحب الدر المنتخب.
وحرص العباسيون على السيطرة عليها وتحصينها في صراعهم مع الروم ، فأرسل الخليفة المنصور قائده صالح بن على فأعاد بنائها وحصنها وعمرها بالسکان فخربتها الروم بعد ذلک سنة 337هـ . وحرص الحمدانيون على فرض سيطرتهم عليها وإعادة تعميرها وتحصينها في إمارة سيف الدولة الحمداني سنة 341هـ . اما عن فترة الحروب الصليبية فقد نجح الصليبيون الوصول والاستيلاء عليها بقيادة جود فري دي بويون وأصبحت ضمن مدن مملکة أرمينية أرمينية الصغرى وکان يحکمها وقتذاک ثاتول الارميني الذي کان يدين بالتبعية للبيزنطيين وأبقاه الصليبيون کحاکم عليها.
وکانت مرعش أثناء الوجود الصليبي في بلاد الشام والجزيرة الفراتية ميدانا للصراع بين کل من الصليبين والقوى الإسلامية الأخرى التى طمعت فيها أمثال الدانشمنديين وسلاجقة الروم في سلطنة قلج أرسلان الثاني في النصف الاول من القرن السادس الهجري / النصف الأول من القرن الثاني عشر الميلادي ، ثم انتقلت إلى مملکة نور الدين محمود أثناء جهوده لاستکمال مشروعه الوحدوي في العلم الإسلامي من الفرات إلى النيل حيث انتزعها من أيدي سلاجقة الروم في قونية منتهزا فرصة آسر جوسلين الثاني ، ووفاة السلطان مسعود وتولية ابنه قلج أرسلان وانشغال الأخير بحرب الدانشمنديين .
وظلت مرعش لأهميتها الاستراتيجية تنتقل بين أيدي الشعوب الإسلامية والصلبيبين وکذلک الأرمن حتى استقرت أخيرا في أوائل القرن السابع الهجري / الثالث عشر الميلادي وبالتحديد عام 605هـ / 1208م في أيدي سلطنة سلاجقة الروم وبالتحديد في حکم غياث الدين کيخسرو وقلج أرسلان السلجوقي لما يقرب من نصف قرن حتى استقرت أخيرا في أيدي الأرمن في وجود مملکة أرمينية الصغرى على أن رواية المؤرخ الفارسي ابن البيبي صاحب کتاب أخبار سلاجقة الروم يؤيد أنها ظلت في أيدي سلاجقة الروم ولم تنتقل إلى ملک الأرمن.
وهذا البحث محاولة متواضعة من جانبنا واجتهادا استنادا إلى المصادر العربية والبيزنطية السريانية والصليبية لإظهار الدور البارز والهام لمدينة أو ثغر مرعش کان يمثل الورقة الرابحة في أيدي العديد من القوى الإسلامية والبيزنطية والصليبية في ذلک التناحر المرير بينهما للسيطرة على أقاليم أو مناطق الثغور الفراتية والشامية وعلى رأسها مدينة مرعش .
ويلاحظ أن الروايات المتفرقة التى تناولت تاريخ مدينة مرعش اهتمت بالتاريخ السياسي والعسکري لمرعش بسبب موقعها الجغرافي الاستراتيجي دون أن تتطرق إلى تاريخها الحضاري في کافة جوانبه الاقتصادية والعلمية والدينية والعمرانية ، کما أنها لم تنل أي اهتمام يذکر من جانب المستشرقين والأثريين العرب والأوربيين للتعرف على أهم معالمها الأثرية من حيث قلاعها وحصونها ومساجدها وأسواقها . ولذلک حاولنا قدر جهدنا لمس هذه الجوانب الحضارية وسط هذه الروايات المتفرقة والشذرات المتناثرة في بطون هذه المصادر وبذلنا جهودا مضنية لتلمس هذه الجوانب. وهذا الأمر کان يمثل بالنسبة لنا مغامرة تحوطها المخاطر من أجل تقديم صورة شبه متکاملة للتاريخ الحضاري جنبا إلى جنب مع التاريخ السياسي والعسکري لمدينة مرعش.
DOI
10.21608/cguaa.2012.34274
Authors
MiddleName
-Affiliation
مدرس تاريخ العصور الوسطى بقسم التاريخ والآثار - کلية الآداب جامعة المنوفية
Email
drinas2014@gmail.com
City
-Orcid
-Link
https://cguaa.journals.ekb.eg/article_34274.html
Detail API
https://cguaa.journals.ekb.eg/service?article_code=34274
Publication Title
حولية الاتحاد العام للآثاريين العرب "دراسات فى آثار الوطن العربى"
Publication Link
https://cguaa.journals.ekb.eg/
MainTitle
مدينة مرعش ودورها السياسى فى شمال الشام حتى نهاية عصر الحروب الصليبية