ليس هناک من شک في أن الماء هو العنصر الفعال في الإنتاج الزراعي، ومن ثم فإن الإنتاج لا يتيسر إلا حيث تتوفر المياه، الأمر الذي لم يحدث إلا في أقاليم قليلة من شبه الجزيرة العربية ، التي تشغل مساحة من الأرض تزيد عن مليون ميل مربع[1]، مع غلبة البيئة الصحراوية عليها[2]، وحيث أن أغلب أرض بلاد العرب هي أرض صحراوية موات[3] فإن الزراعة فيها تعتبر شبه معدومة.[4] فإذا أضفنا إلى ذلک أن جفاف الهواء وملوحة التربة يحولان دون نمو النبات وازدهاره، لتبين لنا أن دولة النبات فيها ليست بحال من الأحوال دولة ضخمة، ومن ثم فإن الأراضي الزراعية قد انتثرت في شبه الجزيرة العربية کالجزر في محيط الصحراوات الرملية والمرتفعات الوعرة التضاريس العارية من التربة في کثير من الأحايين[5]، هذا إلى جانب بعض المناطق الجنوبية حيث تفرغ الرياح الموسمية أمطارها على سفوح السلسلة الجبلية، فتقوم فيها بعض الزراعات الناجحة، أو البستنة الرابحة، عن طريق توفير المياه وحسن تصريفها.[6]
[1] حسين الشيخ: دراسات في تاريخ الحضارات القديمة، جـ 4، العرب قبل الإسلام، الإسکندرية 1993، ص 59.
[2] عبد العزيز صالح: تاريخ شبه الجزيرة العربية في عصورها القديمة، القاهرة 1988، ص 33.
[3] Reza-Ur-Rahim, M.,: "Agriculture in Pre-Islamic Arabia: Introduction", Islamic Research Institute, International Islamic University, Islamabad Stable, Islamic Studies, Vol. 10, No. 1 March 1971, pp. 53.
[4] جواد علي: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، الجزء السابع، الطبعة الثانية، بغداد 1993، ص 24.
[5] فيليب حتى: تاريخ العرب، الجزء الأول، ترجمة: إدوارد جرجي وجبرائيل جبور، بيروت 1965، ص 21؛ محمود طه أبو العلا: جغرافية شبه الجزيرة العربية، جـ 3-4، القاهرة 1972، ص 186.
[6] کارل بروکلمان: تاريخ الشعوب الإسلامية، ترجمة نبيه أمين فارس ومنير البعلبکي، بيروت 1965، ص 14؛ محمد بيومي مهران: دراسات في تاريخ العرب القديم، الإسکندرية 1998، ص 125.