تعبر کلمة التواصل في فحواها اللغوي عن العديد من المعاني التي تتفق في مجملها على ما يفيد حدوث الأخذ والعطاء و التأثير والتأثر و التداخل والتفاعل, والتبادل والترابط .ولقد اتخذت من فنون المخطوطات في کل من مملکتي غرناطة و قشتالة مثالاَ، وتعبيراَ لبيان مدى التطور والتبادل المعرفي مع الأخر.
والحقيقة أن صناعة المخطوطات في الأندلس, منذ الفتح الإسلامي وحتى سقوط غرناطة, تعد مثالا نموذجيا لهذا التفاعل والتواصل بين حضارة الإسلام والممالک المسيحية في شبه الجزيرة الإيبرية. ويعود ذلک إلى ما کانت تتمتع به الأندلس من مکانة علمية في عالم العصور الوسطى إذ کانت بحق مرکزاً من أهم مراکز الحضارة الإسلامية .ثم ما لبثت بعد ذلک أن أصبحت أحد مراکز التأثير في النهضة الأوروبية والتي کانت إرهاصاتها الأولى في النهضة المحلية الإسبانية خلال القرن 7هـ/13م وذلک نتيجة لجهود ترجمة المخطوطات الأندلسية إلى اللغة القشتالية في عهد ألفونسو العاشر 1252-1284م( العالم أو الحکيم)[1]El-Sabio.
والجدير بالذکر أن التأثير الأندلسي قد تجاوز المحتوى العلمي و الثقافي و تعداه ليؤثرفي فن صناعة المواد الکتابية والزخرفية والتسفير( التجليد)، أي أن التأثير العلمي تجاوز الترجمة من العربية إلى القشتالية فشمل الفحوى العلمي والقالب المادي معا.
وتعطينا المخطوطات القشتالية فکرة واضحة عن المظاهر الحضارية في غرناطة وهي تکشف الستار عن مظاهر حضارية مختلفة في المجتمع الأندلسي.وليس من قبيل المبالغة في شيء إذا ما قررنا هنا أن التواصل الفني الأندلسي – الإسباني يبدو واضحاَ جليا في ميادين الفنون التطبيقية وفي مقدمتها فنون الکتاب.
ومن وجهة نظرنا أن إعداد الرَق والورق وتهيئتهما للکتابة لهو عمل يخرج عن حيز الصناعة إلى مجال الفنون, فهو فن يظهر الکتابة بخلفية تتناسب مع لون الخط, الذي يکتب بدوره بمداد أو حبر يتناسب مع الرَق أو الورق ليثبت عليه دون أن يتسبب في خرق الورق أو يکون کالماء السائل على الرَق, وبالتالي فهو نوع من أنواع الفن.طالما ظلت فنون إنتاج الکتاب تعتمد على الخبرة المتوارثة شأنها في ذلک شأن الحرف الفنية.
وبالإضافة لما سبق فإن ما يزيد من فنون الکتاب إبهاراً ويمنحها الصبغة الفنية الواضحة هي تلک الزخارف والأشکال المصورة التي تضفي على الکتاب المخطوط تصورا ماديا مرئيا لما هو مدون, حيث تجتمع الصورة الأدبية مع الصورة المرئية, لتزيده جاذبية وجمالا, ولکي يستکمل العمل الفني يقوم الفنان بتجليد الکتاب بغلاف مزخرف يتناغم مع ما بداخله من زخارف مختلفة, وذلک ليصونه من ما يخفيه له طول الزمن أو سوء استخدام من عوامل التلف.
وسوف ترکز الدراسة في تناول مظاهر التواصل الفني في مجال إنتاج المخطوطات بين مملکتي غرناطة و قشتالةعلى ثلاثة محاور, الأول المواد الکتابية من الرق والورق والحبر, والثاني الزخارف, والثالث التجليد أو التسفي
[1]Samso,Julio ,Alfonso x, La ciencia Espanola en la epoca de Alfonso el sabio, Toledo,1984, pp:89-102.